يمارس كتاب حلف الكيان الألاعيب البهلوانية في المفاهيم والكلمات والمصطلحات في محاولةٍ لقلب الحقائق والتصورات لدى الناس، في محاولةٍ إلى إضعاف موقف المقاومة إعلامياً ومفاهيمياً حتى ينتج عن ذلك مسوغات أكبر للتواطؤ مع الكيان عسكرياً واقتصادياً وفي مناحٍ أخرى. وقد ارتفعت موجهة خطاباتهم بعد شهادة السيد الإمام حسن نصر الله الذي كان يفضح أساليبهم ويبطلها بخطاباته الفكرية والأخلاقية، فيعرفون أنهم إن رفعوا من العيار في خطاباتهم فإن السيد سيرفع من وعي الجماهير، وهو الأمر الذي يخشونه.
ثم إن طبيعة المواجهة مع الكيان التي انضم إليها حِلفٌ من أمتنا تفرض علينا العودة إلى المفاهيم كنوعٍ من الرد والحوار معهم، لأن اصطفافهم إلى جانب الكيان خلص فروقاً في التصورات والمفاهيم مما يجعل الحوار معهم  حواراً سفسطائياً يدور في حلقة مفرغة من الكلمات المتشابهة نطقاً ولكنها في مضمونها تحمل معانٍ مختلفة. وأضرب على ذلك مثالاً كلمة “السلام”، والتي تعني بطبيعتها في سياق وجود احتلال هو إنهاؤه بالتصدي له وبتفكيكه لتعود الأرض إلى أصحابها ولنعود إلى الحالة الطبيعية نعيش على أرضنا دون احتلال. ذات الكلمة عند ذلك الحلف تعني التصالحَ مع الاحتلال وإسناده والرضى بوجوده تحت مسوغاتٍ ومبرراتٍ لم يطرحوها! ولكنهم يحتكمون إلى الواقع المفروض الذي فرضته كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة!
من هذا المنطلق في التضاد بالمفاهيم، فإنه من الواجب وضع النقاط على الحروف بشكل مستمر يعزز المفاهيم لدينا، لذلك، سنشير في سطورنا هذه إلى مفهوم محوري وأساسي ومن الأهمية بمكان لما يشكله لنا من صورة ذهنية واضحة ومترابطة عن حتمية المقاومة، وعن أن الحلول السلمية مع أي وجود استعماري لا يمكن أن تكون ذات جدوى بأي حال.
مفهوم المجال الحيوي
يشير مفهوم المجال الحيوي إلى المساحة اللازمة لنمو واستمرار الكائن الحي، وقد تطور هذا المفهوم ليدخل في مجال التخطيط الاستراتيجي وفي الجغرافيا السياسية للدول فأصبح يشير إلى المنطقة الجغرافية أو مجال التأثير والتأثر الذي تعتبره دولة معينة ضرورياً لأمنها أو ازدهارها الاقتصادي. غالبًا ما يشمل هذا المجال الأراضي المجاورة أو المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية، والتي تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على مصالح الدولة الحيوية، كالأمن، والاقتصاد، والسيطرة على الموارد، أو حتى التأثير الثقافي.
ففي سياقنا كل الأمم التي تحمل ثقافة وانتماءً إلى أرضها وتاريخها فالمجال الحيوي يعني إزالة التهديد والمخاطر في المنطقة وضرورة أن تنضم الشعوب ذات القومية الواحدة والأرضية المشتركة إلى حاضنة واحدة لتشكل لبعضها بعضاً بُعداً حيويا يقوم على تعزيز الأمن والاقتصاد والسيطرة على الموارد والتنمية الثقافية.
وإنه من المستحيل منطقياً أن تنعدم فكرة المجال الحيوي عن فكرة استمرارية وجود الكائن أو الدولة، فهما فكرتان متلازمتان،  لأن انعدام المجال الحيوي يعني التبعية والعبودية وانعدام الأمن بسبب انعدام السيطرة على الموارد وضعف النفوذ لتصل المخاطر إلى التهديد الوجودي. فالتغافل عن المجال الحيوي للدولة يشبه التغافل عن أهمية الماء والهواء لحياة الكائن ونموه.
 وفي سياق استعماري   إحلالي، فإن فكرة التوسع فكرة لا مهرب منها، فلم يخاطر المستعمر بقدومه إلى أرض غيره دون التفكير بالكيفية التي سيدوم فيها وعلى الأمد الطويل، ولا يتم ذلك إلا بخلق مجال حيوي يكبر فيه ويضمن فيه استمراريته، فتجد واضحاً أن الاحتلال الإسرائيلي في منطقتنا يعمل على بعدين، على بعد التوسع الجغرافي من خلال مد المستعمرات في الضفة الغربية ومن خلال الاحتلال عن بعد كاستخدام السلطة الفلسطينية كأدة، ومن خلال التأثير والتأثر كاتفاقيات التطبيع التي عقدها مع الدول المجاورة وما زال يسعى إلى تمددها إقليمياً ومن ثم لينطلق إلى بعدٍ عالمي آخر بعدها. فالتغافل عن فكرة توسع الكيان وخلقه مجالاً حيوياً لنفسه يشبه التغافل عن تلوثٍ شديدٍ في الهواء وتعمد استنشاقه، أو تماماً كحالة إدمان المخدرات!
بالتالي، وتباعاً لهذا المبدأ البديهي الطبيعي الذي ينطبق على كل وجود حي وصولاً إلى الدول والمنظومات الضخمة، فإن وجود مشروع استعمار احلالي غريب يسعى لتحقيق مجال حيوي ليضمن به استمراريةَ مشروعِه، يعني بداهةً أن مجاله الحيوي هو القضاء على الفوارق الأمنية والعسكرية والثقافية التي تحيط به والتي تُناقض وجوده في المحيط بداهةً، مما يعني استحالة حسن النوايا لدى استعمار ينشأ في مكانٍ ما، فتستحيل بذلك كل المصطلحات المزخرفة كالسلام والمصالحة والتطبيع والتعاون والاتفاقيات والدعم.

ويفرض الحل الوحيد نفسه، وهو إزالة الاستعمار وتحقيق وجودنا الطبيعي مرة أخرى ولنعمل على التوسع في مجالنا الحيوي بشكل طبيعي سيقبله كل من يقف في صف الكيان من القوى العربية المساندة له وبشكل تلقائي، ببساطة لأن طبيعة وجودنا هنا في هذا السياق العربي متسقةً بديهياً بكافة الأبعاد التاريخية والثقافية والقومية والدينية.
آدم السرطاوي – كندا