يشكل الفشل الذريع والمخزي في دعم أهل قطاع غزة كارثة فكرية وثقافية وسياسية، تحمل دلالات مرعبة على مستوى الإنسانية، وتحديدا على مستوى الأمة العربية. هذا الفشل لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة لتراكم طويل من التهرب من المحاسبة والاعتراف بالحقائق المؤلمة، ما أدى إلى انحدار كبير في وعي الشعوب وإرادتهم الجماعية. نحن بحاجة ماسة إلى إعادة تفكيك هذه العقد، ومعالجة جوانبها المختلفة لإنتاج وعي جمعي جديد يستوعب معنى العروبة الحقيقي، ويجعل من التضامن الفعّال سلوكا عمليا لا يقتصر على الشعارات.

إن التهرب من محاسبة الذات، وتسمية الأمور بمسمياتها، أدى إلى الانغماس في خطاب يُظهر الحق في إطار زائف، وهو “قول الحق الذي يُراد به باطل”. هذه العقلية أضرت بشكل مباشر بنسيج مجتمعاتنا، ودفعت بالعقل الجمعي إلى تفضيل ما هو أكثر راحة، حتى لو كان على حساب الحق. لقد رأينا شعوبنا تنحصر في الدعاء والتعاطف الرمزي، متجنبة اتخاذ أي خطوات عملية تُحمِّل حكوماتها المسؤولية وتدفعها إلى التحرك، بدلا من التنظير على من يقاتلون في الثغور منذ سنين. في العقل الجمعي العربي والفلسطيني، تبدو غزة كالأخت الكبرى التي يُفترض أن تدفع الثمن دائما، وهذا الفكر أسهم في استمرار الإبادة وتصاعدها.

الوضع لم يعد يحتمل مزيدا من التراخي. ليس هناك قوى خارقة ستتدخل لإنقاذ الموقف، وعلينا أن ندرك أننا أمام خيارين: إما التحرك الجاد والعمل بأيدينا، أو الاستمرار في مشاهدة الة القتل تُفحل وتبدع في مشاهد الابادة من دون أي محاولة حقيقية للتغيير. نحن بحاجة إلى مواجهة الحقيقة، ثم التحرك بخطوات محسوبة وحذرة نحو تفعيل ساحات المدن العربية، وتكثيف الضغوط على الحكومات لفك الارتباط مع الاحتلال.

لكن التحرك الشعبي لا يمكن أن يقتصر على الهتافات والشعارات. المطلوب هو مطالب واضحة وملموسة، على أن تكون مصحوبة بأدوات ضغط فعّالة، مثل الإضرابات في القطاعات الحيوية، وتعزيز الاحتجاجات اليومية أمام السفارات الأمريكية وسفارات الاحتلال. يجب أن يدرك الجميع أن الخوف من مواجهة الحكومات والصمت عن قول الحق يعتبر خيانة للكرامة وللقضية العربية. (وللتأكيد هنا لا ندعوا الا انقلابات واسقاط انظمة بل ندعوا لمواجهة الباطل ونصرة اهل الحق)

المقاومون الذين يدافعون عن أرضهم يمثلون الأمة جمعاء، وسيُخلد التاريخ بطولاتهم ومواقفهم الشجاعة. لذلك، على كل من يحمل شعلة النخوة والعزة أن يتحرك نصرة لدماء إخوانه في فلسطين ولبنان، وأن يساهم في كتابة تاريخ جديد، يتحدث عن التضحيات والبطولات لأجيال قادمة.

أحمد كمال الدين