صدق المجرمون المهزومون، انتهى “حزب الله”، وظهر من رحم الاستشهاد المقدس “حزب الله المعظم”.
حزب الجبابرة أشرق وبان، وتوهجت في جنوب السماء هامات من عجب وسهام من لهب، تعصف وتلتهم من أشعل حريقاً في قلب كل مقاوم ونصير.
سقطت المراهنات والرهانات، وتلاشت تخيلات العدو وحلفائه. سقط جدار الموانع والتربص والأدب، وعلى الباغي أن يشهد اليوم دماره وسط دائرة الخراب الذي ألقى به على مدن آمنة وبريئة من جريمته. وبين الصامد في الحق والعدل والمنغرس في الأرض في جبهة، والمعتدي بالسلب والبغي والزيف في الجبهة الأخرى، حربٌ لن تنتهي إلا باعتلاء الحق مرتبته الإلهية. الآن لحظة الحقيقة تتهادى وسط دخان كثيف يعمي الأبصار، ولكنه لا يحجب الرؤية عن عظمة المواجهة وهولها.
انتهى حزب الله وتجلى ”حزب الله المعظم” يحمل وجعه بين الضلوع بصمت ترتجف له الفرائص وترتعب منه النفوس، لا ضجيج ولا نحيب ولاخطب، وحده صوت الرصاص يجلجل والقاذفات الراجمات على من طغى وتجبر.
نزل الدستور الجديد كتاباً ووصايا على رجال الشمس، ومن الإسناد والإشغال وحرب الأعمدة، شَقَّ وميضَهم إلى حيفا وحاشية تل أبيب المحتلة. أما عن أرض الجنوب فالوقوف ممنوع والمرور محال، وفي الجليل رجع الصدى. تطوي الروايات البهية للبطولات والبسالة والبأس الأرضَ سرياناً، فتأسر قلوب المحبين العاشقين، وتُغيظ الأعداء وتُرعب دوائر الطغاة.
انتهى حزب الله وها نحن في حضرة حزب الله المعظم، ولم نر دمعة واحدة ولا آهاً، ولكن شاهدنا لأول مرة، راية حمراء قانية تعلو وترتفع، وكتاب المقاومين ينزل كشهاب من العلياء. وشاهدنا بأم العين، جند العدو مختبئاً في قنوات الصرف، مكشوفاً وعاجزاً. وشاهدنا احتراق عدته وعتاده، وشاهدنا الفرار والإدبار، وشاهدنا جنوداً مدججين بكل أنواع آلة القتل يسقطون أشلاء على أرض مباركة ومعمدة بدم الشهداء، وشاهدنا استبسال رجال الله، محاربين أسطوريين قادمين من أرض لا مثيل لها ولا عنوان، شاهدناهم ينتصرون ويحرقون العدو حرقاً وفي عقر داره … ألا إن حزب الله هم الغالبون.


رجال الله، بنصر الله ورضوانه وعباسه وظله وما تعدد من أسماء مباركة، يرفعون الآن عالياً كتاب الوصايا المقدسة، ودم الشهيد الجليل النفيس، وثأراً لا يساويه إلا الفتح المبين ودخول الشهيد الأقدس إلى باحات بيت المقدس. كتاب الوصايا مرفوع على جبين أولياء الله والدم، بحِكَمه وخُطَطِه فَيُدَون ويُعيد: “أوهن من بيت العنكبوت”، “إلى حيفا وما بعد بعد حيفا”، “على طريق القدس”، “بيننا وبينكم الميدان”، “الحساب المفتوح”، “لن تعود لكم دبابات”، “انظروا إليها تحترق”، “أنتم تقاتلون أبناء محمد وعلي وأهل بيت رسول الله وصحابة رسول الله، أنتم تقاتلون قومًا يملكون إيمانًا لا يملكه أحد”، “هيهات منا الذلة”، “لا يملك أحدٌ في هذا العالم، أن يتنازل عن حبة رمل واحدة من تراب فلسطين أو عن قطرة من مائها.. هذه حقيقةٌ عُمّدت بالدم” … نعم يا شهيدنا المقدس، حقيقة عُمِّدت بالدم، وما هذا إلا غيض من فيض بحرك الوافر الوهاج بالوصايا والحكم .. وهل بعد هذا الكلام كلام؟..
الآن وبعد الاستشهاد المقدس هوّن الله كل مصاب لدى رجال الله، وبين يديهم وفي أفئدتهم أمانة وكنز من وصايا سيد الشهداء المؤسس الملهم، وراسم النهج والسبيل، وصاحب النص والبيان، وواضع خارطة الدم والرصاص، على طريق الأقصى المبارك.


أبداً لم يعرفوا ولن يعرفوا السر وبواطنه، ولن يفهموا بضآلة عقولهم أن الشهيد المقدس لم يؤسس حزباً، بل شَيَّدَ نِظَامَ حياة من الألفة والتحابّ والرقي والنقاء، وصدق السريرة والوعي بعظمة الله والكون ومسؤولية الانسان فيه. لم يبن تنظيماً سياسياً أو مسلحاً، بل بنى وسيّج لعائلة متفرعة الأطراف والجذوع والفروع، متلاحمة ومتحابة في الله والحق، ويجري فيها فصيل الدم المقاوم في شرايين تُحْسَب وتُقاس بطول وعرض الأرض المرتمية في أجساد صلبة شاهقة كالجبال .. لا تحدها إلا السماء.
حزب الله عائلة بآلاف مؤلفة من الأطفال والرضع والفتيان والشباب والنساء والرجال والشيوخ، والأشجار والمباني والبيوت والأنفاق والمخابئ، والسهول والتلال والمسالك والمنحدرات والأحراج والحدائق والمزارع والوديان والأنهار، والمساجد والكنائس والساحات والباحات والشوارع. حزب الله سيرة حياة ومسار استثنائي، ومحطات في التاريخ يزهو بها التاريخ، ويشمخ بألقها وعلوها ونقائها.
انتهى حزب الله، وها نحن في حضرة “حزب الله المعظم” الأمين المنتصر، وأسراب المقاومين الأشداء الأوفياء، يصرخون بعد كل طلَقَة وعدوة على العدو وهجمة ونقمة وظفر : أرضيت يا سيد؟ فيا لثأرك يا سيد … يا لثأرك يا سيد …
هند يحيى