قررتُ يوماً إكراماً لشهدائنا وتعزيزاً لفكرة أن شهداءنا أسماء وليسوا أرقاماً أن أطلع على رواياتهم وقصصهم ورثاءاتهم، فبرز عندي أثناء البحث اسم “حمزة أبو قنيص”، أسمر البشرة، فلسطيني تعود أصوله إلى قرية النبي روبين المهجّرة، شجي اللحن، يغني بصوتٍ تواقٍ إلى الشهداء، واليوم قد صار حمزةَ منهم.أتفاجأ اليوم وأنا أبحث عن حمزة في سطور الكتاب والأخبار بأن حمزة يقطن في غزة.

لم يخطر لي يوماً بأن يكون صوت حمزة الغض الشجي الحزين الفرح بزفاف الشهداء من غزة المحاصرة بالدم والصواريخ والزنانات والممتلئة بأصوات الرعب والصراخ والبكاء والخوف. عجيبةٌ هذه المدينة التي لم تترك شيئاً إلا وشهدت عليه…فقد كنتُ قد قلتُ يوماً بأن الشهيد سمي شهيداً لأنه بذل أقصى الجهد حتى بذل روحه ليشهد على الجميع بأن الطريق ممكن ولا حجة لمتعاجز. اليوم، يشهد صوت حمزة بأن جمال الصوت واللحن والكلمات أمانة. أمانة لا ينبغي أن تؤدى إلا لخير الناس الذين بذلوا أرواحهم وأنفسهم وذواتهم لأمتهم التي ترزح تحت النار والقتل والتعذيب.

ارتقى حمزة غريباً حزيناً وهو في غزة، فلم تتسن له رؤية زوجته وأولاده منذ بدء الحرب، إذ ظل عالقاً في شمال غزة وهم في الجنوب، وكأنها إرادة حكيمة أرادت لصوت حمزة أن يكون تواقاً إلى اللقاء عندما يشدو بخير الناس، ليكون اللقاء لقاءً بمن أحب.قال حمزة يوماً: “لا أحد يستحق أن يغنى له ويرثى أكثر من الشهداء. أنا تربطني علاقة حب واحترام مع تمني لخاتمتهم وهي أكبر مناي. كرم الشهادة هذا، مرحلة بدها تعب برضو، لما توصل لمرحلة إنه ربنا يحسن ختامك شيء طبيعي ولا ما في حاجة عنه. على وجه الأرض أجمل من إنه ربنا يكتب لك اياها. إذا ما كانت يعني الشهادة بالقيمة هاي والعظمة هاي كان ما تمناها النبي عليه الصلاة والسلام. أجرها عظيم وحسن خاتمة عظيم وكرم من الله عز وجل لكن برضه إلها ناسها”.

ليتَ لي صوتاً كصوتك كي أرثيك يا حمزة، ولكنني أضع بين يديكم هذه التي شداها لنفسه قبل خمسة أشهر مضت – “أنا الشهيد”:

سلامُ القدس لك وعليك وهنيئاً لك خلود صوتك يا حمزة…

آدم السرطاوي – كندا