العالم خارج حدود فلسطين هو عالمٌ مختلفٌ جداً عن العالم داخل حدودها، وفي الحالتين، الفلسطيني هو نقيض العالم والوجه المضاد له.

فداخل الحدود الفلسطينية، نُصبَ كيانٌ يسعى إلى تطهير العرق الفلسطيني واقتلاعه من جذوره بسرقة أرضه ولغته وثقافته وخيراته وموارده ومقدراته وباعتقاله وباغتنام الفرصة لقتله كلما اشتعلت انتفاضة أو معركة. كما وُضعت كل القوانين لمحوه، في التعليم والصحة والبناء والجرائم وحتى القوانين المدنية، ولا فرق في ذلك بين الضفة الغربية والأراضي التي احتُلت عام ١٩٤٨م، فبعد أوسلو سُرق الأمل والطموح وسرقت البوصلة من أمام عيني الفلسطينيين. ففي حدود فلسطينَ من الداخل، عالمٌ يطارد الفلسطيني ليخنقه سعياً إلى إنهائه من الوجود ودفنه في التراب.

أما خارج فلسطين، فكأن الناس جميعاً، شعوباً وحكاماً قد اجتمعوا بليلٍ وتهامسوا فيما بينهم واتفقوا على أن لا يعرف الفلسطيني شيئاً عن تاريخه وأصله وحقه، واتفقوا بأن لا يُعطى القوة لأنه إن أوتي القوة تذكر، واتفقوا بأن يجنّسوه ويعطوه أسماء متعددة، واتفقوا بأن يجردوه من إنسانيته تماماً إن كان غزاوياً ليعيش بلا حقوق، واتفقوا بأن يجعلوا عودته إلى فلسطين أملاً بدلاً من أن تكون طريق كفاح، واتفقوا بأن يخفوا عنه عدده لأنه إن رأى نفسه كثيراً سينتبه، واتفقوا بأن يسحروه بالعمالة ويصدعوا رأسه بالكفاح المنمق ببدلات أوسلو، كما اتفقوا على أن تصاغ الهويات من حوله بشكلٍ يضاد وجوده هنا أو هناك لتصبح كل هويةٍ “أولاً” ويظل هو بلا أول ولا مآل، واتفقوا بأن تُصبح القوة المضادة له هي الحالة الطبيعية في كل مكان حتى يصبح هو الإنسان الغريب حقاً، بل اتفقوا على أن يكون مأكلهم ومشربهم ومركبهم وملبسهم هبةً لطلقةٍ في صدر الفلسطيني.

هكذا هو شكل العالم الذي يعيش فيه الناس، عالمٌ مضادٌ للفلسطينية.

يعيش الناس في هذا العالم ويقتاتون ولا يدرون بأنهم بذلك يقتلون الفلسطيني بمجرد عيشهم في هذا العالم ب”سلام”!

هكذا تسير مقادير الحياة وتكتب على فئةٍ من الناس أشياءَ لا تكتبها على آخرين، فالعالم لم يصل إلى ما هو عليه بلحظة، وإنما توالت الأحداث واندفعت بهذا الاتجاه حتى أصبح العالم “ضد فلسطيني”، واستمرت المقادير بالاندفاع ليرتقي الفلسطيني الطوفاني عن الأرض التي امتلأت له ضدّاً ليصنع طوفاناً فلسطينياً قدراً مكتوباً يحاسب الجميع ويشهد عليهم.

إلى الآن لم ينتبه العالم ويدرك، ولم يفهم، لأن هذا العالم لا يرى نفسه مضاداً لوجودنا بعد، ويظن أنه بخيرٍ إلى درجة ما، ويظن بغفلته أن هذا الطوفان قد بدأ داخل فلسطين وسينتهي بداخلها أو في المنطقة، متغافلين عن فلسطيني الخارج الذي سيقفز يوماً مرتقياً عن الجحيم ليواجه الشيطان في قمقمه.

آدم السرطاوي – كندا