يدرك المتابع ليوميات الحرب في سورية، بأن ما شهدته الجغرافية السورية لم يكن وليد أيام وأشهر، بل ثمة تخطيط عميق يمتد لـ سنوات بغية تدمير الدولة السورية من الداخل، وتأطيرها بأزمات متعددة، من ضمن ذلك أزمة اللاجئين والنازحين، وربطاً بذلك فإن ما شهدته بعض القرى والبلدات في بعض المحافظات السورية خلال الحرب، عبر ترويج إشاعات إعتمدت على أن الجيش السوري سيقوم بالقصف وتدمير تلك القرى والبلدات، لم يكن إلا هدفاً لاجبار السوريين على النزوح بوجهيه الخارجي والداخلي، من أجل الضغط على الدولة السورية في أكثر الملفات حساسية وضغطاً على دمشق، ألا وهو ملف النازحيين.
ملف النازحيين السوريين لطالما كان عامل ضغط يُستخدم من قبل دول العدوان على سورية، وجُل الإتهامات التي تم توجيهها لـ دمشق، كانت في إطار إتهام دمشق بعدم رغبتها بعودة اللاجئين، لاجبار دول اللجوء على دفع الأموال لـ سورية من اجل تأمين متطلبات العائدين، لكن في المقلب الآخر فإن دمشق لطالما أكدت استعدادها باستقبال مواطنيها من دول اللجوء، مع تعهدات بتقديم كل ما يلزم لتأمين حياة كريمة لهم، بخلاف ما كانت تسوقه دول اللجوء بأن سورية تقوم باستثمار ورقة اللاجئين لغايات سياسية.
دون إطالة فإن التطورات في لبنان، أجبرت الكثير من السوريين على العودة إلى بلادهم جراء القصف الإسرائيلي المستمر، وكالعادة فقد حذرت قوى سياسية في لبنان ورغم الكوارث التي تحدث، من عودة اللاجئين لأنه وبحسب زعمهم فإن دمشق ستقوم بملاحقة العائدين أمنياً، لكن رغم ذلك لم يجد السوريين في لبنان إلا الحدود السورية لاستقبالهم، فهم برغم كل ما يُشاع فإنهم ضمن دولتهم، وتبقى سورية هي الأم لهم.
في هذا الإطار، لطالما دأبت العديد من المنصات الإعلامية على مهاجمة الدولة السورية، حيال سياساتها تُجاه اللاجئين السوريين، وأن دمشق لا ترغب بعودتهم بل وتعمل على ملاحقة العائدين أمنياً، في صورة غايتها الأولى والأخيرة تشويه صورة دمشق ومؤسساتها، لكن وبالمثل الشعبي فإن المياه تكذب الغطاس، وهذا حقيقة ما حصل، فالحرب في لبنان أجبرت آلاف العائلات السورية على العودة إلى دمشق وعبر المعابر الحدودية الرسمية، الأمر الذي جعل من الدولة السورية تستنفر كافة مؤسساتها المدنية والخدمية وعلى كافة المستويات، والمؤكد بأن دمشق وبخلاف ما يُشاع أوروبياً، فإن دمشق استقبلت مواطنيها استقبال الأم لأبناءها، وقامت بتسهيل عودتهم وتأمين مساكن مؤقتة لهم ورفدها بكل المستلزمات الضرورية لحياة كريمة ريثما يعودوا إلى مناطقهم الأساسية، بالإضافة إلى إلغاء القرار القاضي بتصريف مئة دولار أميركي كـ رسوم للدخول.
ما سبق يدحض الروايات الأوروبية حيال أن دمشق تقوم باستثمار ورقة اللاجئين ولا ترغب بعودتهم، لكن ما حدث يؤكد بأن الغرب وحتى بعض القوى السياسية في لبنان، هم من يقومون بمنع عودة السوريين، واستثمار هذه الورقة ضد سوريا للتشهير بها والقول بأن دمشق توظف اللاجئين في ملفها.
حقيقة الأمر فإن دمشق أيضاً كسبت هذا الرهان، وأظهرت قدرتها على التعامل مع أزمة إنسانية، وأكثر من ذلك فإن دمشق أسقطت قناع الغرب بأنهم مع اللاجئين وحقوقهم، لتكون بذلك دمشق وكعادتها ورغم ازماتها، هي السباقة لدعم مواطنيها، ولابد من القول بأن سورية عاملت اللبنانيين كما السوريين تماماً، وهذا ما سيزعج الغرب لاحقاً.
دون شك فإن الدولة السورية ورغم ما تعانيه من أزمات، إلا أنها لم ولن تتخلى عن واجباتها تجاه مواطنيها، والأهم بأن دمشق تمكنت من سحب ورقة اللاجئين السوريين في لبنان من التدوال السياسي، ووضعت حداً لكل من يحاول الإستثمار في هذا الملف، وعليه فإن دمشق باستقبال مواطنيها العائدين من لبنان، أكدت بأنها دولة مؤسسات، وواجباتها استقبال مواطنيها وتأمين عودة كريمة لهم، والمؤكد بأن كل من عاد إلى سورية جراء الحرب في لبنان، عاد بكرامته وتم استقباله بكرامة، فهو في دمشق وهذا يكفي.
الدكتور حسن مرهج خبير الشؤون السورية والشرق أوسطية.