إضاءة على مقال الدكتورة سماهر عبدو الخطيب الكاتبة والباحثة في العلاقات الدولية والدبلوماسية، والذي حمل عنوان “هل يجيز القانون الدولي عملية طوفان الأقصى؟”
طوفان الأقصى و القانون الدولي ….
أي إنسان في هذا العالم مطّلع على القضية الفلسطينية يعتبر طوفان الأقصى عملاً مشروعاً لا بل بطولياً، وطبعاً هذا لا يخفى عن أي إنسان عربي أو مسلم مؤمن بنهج المقاومة وبالمبادئ الوطنية السليمة، التي هي جزء من فطرة الإنسان الطبيعي، وبكون المقاومة الطريق الوحيد لتحرير البلاد وإرجاع الحقوق المسلوبة.
وقد أدت نتائج طوفان الأقصى إلى حصول التفاف شعبي كبير حوله، وبالأخص في العالمين العربي والإسلامي، استناداً إلى المبادئ التي تم ذكرها، ولكن في المقابل نرى هجوما شرساً على عملية طوفان الأقصى من الغرب الرسميّ وحلفائه في العالمِ والمنطقة، وللأسف الشديد لحقت بهم بعض المؤسسات الدولية ومؤسسات حقوق الإنسان التي يفترض أنها حيادية، مستندةً إلى أن هذه العملية مخالفة للقانون الدولي، فهل عملية طوفان الأقصى حقاً مخالفة للقانون الدولي؟
وللإجابة على هذا السؤال اخترنا لكم مقالة نشرت على موقع الخنادق بتاريخ 27\10\2023 بقلم الكاتبة والصحفية السورية والباحثة في العلاقات الدولية والدبلوماسية، الدكتورة سماهر عبدو الخطيب، والتي حملت عنوان “هل يجيز القانون الدولي عملية طوفان الأقصى؟”
“هل يجيز القانون الدولي عملية طوفان الاقصى ؟” :
“وصفت وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي الإماراتية، ريم الهاشمي، في كلمتها خلال جلسة مجلس الأمن الدولي، هجمات حركة حماس، عملية”طوفان الأقصى” يوم السابع من الشهر الحالي ضد مواقع لجيش الاحتلال بـ”البربرية والشنيعة”، مشددة على أن “الإمارات تدينها بشدة”. وللغرابة أنّ هذا الموقف يتسق بشكل كبير مع الخطاب “الإسرائيلي”، ضدّ المقاومة الفلسطينية في غزة، كما أنه يتسق مع المواقف الغربية والأميركية التي تناولت مراراً هذا الوصف لوسم المقاومة، ضمن محاولات “تجريمها”.
غير أنّ وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي الإماراتية، والدول الغربية، والولايات المتحدة الأميركية تناست الهجمات السابقة التي شنّها جيش الاحتلال على غزة ولم تكن حماس حينها تشن أي هجوم “بربري”، وقد تمادى الاحتلال بضرباته ضدّ حماس وضدّ غزة وضدّ الفلسطينيين ولم تكن هجماته تلك “بربرية”، وعندما ردّت حماس ظهروا (عرباً وغرباً) ليستنكروا ويصفونها بـ”البربرية” متناسين بأنّ القانون الدولي يجيز لحماس الدفاع عن الأرض والشعب وبأنّ المقاومة حق مكفول في القانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني بكل فصائلها ومسمياتها سواء كانت حماس أو الجهاد الإسلامي، وحتى المقاومة العراقية وكذلك المقاومة الإسلامية في لبنان وغيرها من فصائل وكتائب المقاومة، وبالتالي فإنّ حق المقاومة وحركات التحرر مشروع ومكفول قانونياً. وللفلسطينيين الحق في الدفاع عن أرضهم والحق باستخدام مقاومتهم المسلحة ليس فقط من المنطق الأخلاقي، بل من منطق القانون الدولي والقرارات الأممية.
يبدو أن ازدواجية المعايير الدولية والإنسانية باتت فاضحة لدى الغرب ومن لفّ لفيفهم ففي الوقت الذي يمجّد فيه الغرب مقاومة الأوكرانيين، على سبيل المثال يتسارع للصق سمة “الإرهاب” بالمقاومة الفلسطينية ويعتبر نفسه وفق تصريحات وزير الخارجية الأميركي شريكاً لإسرائيل وبالتالي فإنّ لإسرائيل حق الدفاع عن نفسها في حين أنّ الحقيقة وما تؤكده الأحداث الجارية، أنّ “إسرائيل” هي من تنتهك القانون الدولي وهي من تحتل الأرض وتقوم بجرائم ضدّ الإنسانية وفق نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية ويتوجب محاكمتها حتى وإن لم تكن عضواً في المحكمة، وأنّ أفعال المقاومة الفلسطينية تتناسب وفق القانون مع أفعال دولة الاحتلال التي لم تحترم إلتزامتها الدولية ضدّ الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية وعموم الأراضي المحتلة.
إعلان حقوق الإنسان والمواطن
ورد في المادة الثانية من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر في 26 أغسطس/آب 1789، الذي أصدرته الجمعية التأسيسية الوطنية، ويعتبر وثيقة حقوق من وثائق الثورة الفرنسية الأساسية وتُعرَّف فيها الحقوق الفردية والجماعية للأمة، فإن “مقاومة القمع هي حق أساسي”، وبالتالي فإنّ مقاومة القمع الإسرائيلي حق أساسي للفلسطينيين.
القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة
تحدث ميثاق الأمم المتحدة صراحةً عن مبدأ المساواة في الحقوق بين الشعوب وحرية الشعوب في تقرير مصيرها، وقد ورد في مقدمة الميثاق، في المادة الأولى، الفقرة الأولى: “حفظ السلم والأمن الدولي، وتحقيقاً لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعّالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولإزالتها، وتقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم، وتتذرّع بالوسائل السلمية، وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي، لحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم أو لتسويتها”
وفي الفقرة الثانية “يدعو الميثاق إلى إنماء العلاقات الودّية بين الأمم، على أساس المساواة في الحقوق بين الشعوب، وبأن يكون لكلّ منها حرية تقرير مصيرها”، وفي الفقرة الثالثة، من المادة ذاتها “الدعوة إلى تعزيز احترام حقوق الإنسان، والحريات الأساسية للناس جميعاً، وعدم التمييز بسبب الجنس، أو اللغة، أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء”.
وفي المادة الثانية، الفقرة الرابعة “يدعو الميثاق إلى امتناع الدول في علاقاتهم الدولية، عن التهديد باستعمال القوة، أو استخدامها ضدّ سلامة الأراضي، أو الاستقلال السياسي لأية دولة”.
وفي المادة الواحدة والخمسين “أنه ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة، على أحد أعضاء الأمم المتحدة، وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير الأزمة لحفظ السلم والأمن الدولي”.
القانون الدولي الإنساني والإعلان العالمي لحقوق الإنسان
في المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تأكيد على مبدأ أساسي يقول إنّ “الناس يولدون أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميراً، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء”.
وفي المادة الثانية، تأكيد “أنّ لكلّ إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز بسبب العنصر، أو الدين، أو اللون، أو الجنس، أو النوع، أو الرأي السياسي، أو أي رأي آخر”.
وفي اتفاقية لاهاي 1907 تأكيد على تنظم عمل حركات المقاومة وتنص على أن يكون لها رئيس مسؤول وشعار وعلامة مميزة، وأن تحمل السلاح علناً وتتقيد بأعراف وقوانين الحرب، وهي كلها شروط تنطبق على المقاومة الفلسطينية.
وفي اتفاقية جنيف الثالثة الخاصة بحماية أسرى الحرب، تنص على شرعية حمل السلاح لمقاومة المحتل، كما أضافت اتفاقية جنيف صفة “أسرى الحرب” على أعضاء حركات المقاومة المنظمة “التي تعمل داخل أرضها أو خارجها وحتى لو كانت هذه الأرض واقعة تحت الاحتلال”، وذلك وفق الشروط التي حددتها “لاهاي” الأنفة الذكر.
وفي اتفاقية جنيف الرابعة 1949 الخاصة بحماية المدنيين في النزاعات المسلحة الدولية، وفي البروتوكول الثاني 1977 والذي أكد في الباب الرابع على حماية السكان المدنيين في النزاعات المسلحة غير الدولية وما سماه بـ”حروب التحرير الوطنية”، وهو ما ينطبق على فصائل المقاومة الفلسطينية وما تقوم به من هجمات تأتي تحت بند حروب التحرير الوطنية.
العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية
ويشدّد الجزء الأول من هذا العهد على أنّ لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها. وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي وحرة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. ولجميع الشعوب، سعياً وراء أهدافها الخاصة، التصرف الحر بثرواتها ومواردها الطبيعية دونما إخلال بأية التزامات منبثقة عن مقتضيات التعاون الاقتصادي الدولي القائم على مبدأ المنفعة المتبادلة وعن القانون الدولي. ولا يجوز في أية حال حرمان أي شعب من أسباب عيشه الخاصة. وعلى الدول الأطراف في هذا العهد، بما فيها الدول التي تقع على عاتقها مسؤولية إدارة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي والأقاليم المشمولة بالوصاية، أن تعمل على تحقيق حق تقرير المصير وأن تحترم هذا الحق، وفقاً لأحكام ميثاق الأمم المتحدة. كما أوجب العهد الالتزام بعدد من الحقوق في جميع الأحوال، وفي كلّ زمان ومكان، ومن هذه الحقوق: “الحق في الحياة، الحق في عدم الخضوع للتعذيب، أو المعاملة غير الإنسانية، أو المهينة، وحظر الرق”.
قرارات الأمم المتحدة
أكدت الأمم المتحدة في قرارها رقم 1514 الصادر بتاريخ 14 ديسمبر/ 1960، بصفة صريحة أنه “لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها، ولها بمقتضى هذا الحق أن تحدد بحرية مركزها السياسي وتسعي بحرية إلى تحقيق إنمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي” ويشمل حق تقرير المصير القضية الفلسطينية. وهو ما أكده القرار رقم 2535/ب (الدورة 24) في 10 ديسمبر/1969 والذي جاء فيه “إن الجمعية العامة إذ تقر بأن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين نشأت عن إنكار حقوقهم الثابتة التي لا يمكن التخلي عنها والمقررة في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تعود وتؤكد الحقوق الثابتة لشعب فلسطين”.
كما صوتت على القرار رقم 2628 (الدورة 25) في 4 نوفمبر/1970 ونصت الفقرة الثالثة منه على أن الجمعية العامة “تعترف بأن احترام حقوق الفلسطينيين هو عنصر لا غنى عنه من أجل إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط”.
ولـ”إدانة إنكار حق تقرير المصير خصوصاً لشعوب جنوب أفريقيا وفلسطين”، أصدرت الأمم المتحدة القرار رقم 2649 في العام 1970 والذي ينص بالحرف على أن “الجمعية العامة تؤكد شرعية نضال الشعوب الخاضعة للسيطرة الاستعمارية والأجنبية، والمعترف بحقها في تقرير المصير، لكي تستعيد ذلك الحق بأية وسيلة في متناولها”، مؤكدة على “أهمية التحقيق العالمي لحق الشعوب في تقرير المصير وضرورة الإسراع في منح الاستقلال للشعوب والبلاد المستعمرة”. وفي نهايته أدانت الجمعية “الحكومات التي تنكر حق تقرير المصير على الشعوب المعترف لها بذلك الحق، خصوصاً شعوب جنوب أفريقيا وفلسطين”.
كما صوتت الجمعية العامة على قرارها رقم 2672 بتاريخ 8 ديسمبر/ 1970 والذي جاء فيه “ضرورة الأخذ بمبدأ تساوي الشعوب في الحقوق وحقها في تقرير المصير المكرس في المادتين 1 و55 من ميثاق الأمم المتحدة، والمعاد تأكيده في الإعلان الخاص بمبادئ القانون الدولي المتعلقة بعلاقات الصداقة والتعاون بين الدول وفقاً للميثاق”.
كما أكدت الجمعية العامة في 6 ديسمبر/1971 على جميع القرارات الصادرة من قبل، وعبرت في قرارها 2728 عن “قلقها البالغ لعدم السماح لشعب فلسطين بالتمتع بحقوقه الثابتة التي لا يمكن التخلي عنها، ولعدم ممارسة حق تقرير المصير”. وهذا القرار أكد بوضوح وتفصيل حق الشعب الفلسطيني في استعادة كامل حقوقه.
وهو ما يؤكده القرار الأممي 3236، بتاريخ 22 نوفمبر1974، والذي نص على أن الأمم المتحدة “تعترف كذلك بحق الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه بكل الوسائل وفقاً لمقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه (…) وتناشد جميع الدول والمنظمات الدولية أن تمد بدعمها الشعب الفلسطيني في كفاحه لاسترداد حقوقه، وفقاً للميثاق”. ونص في فقرته الثانية على “تأكيد الجمعية العامة من جديد حق الفلسطينيين الثابت في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي شردوا منها، وتطالب بإعادتهم”، وفي الفقرة الأولى من القرار ذاته أكدت الجمعية على “حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة في فلسطين ولا سيما الحق في تقرير مصيره دون تدخل خارجي، والحق في الاستقلال والسيادة الوطنيين”.
كذلك أكدت الجمعية العامة على شرعية المقاومة المسلحة الفلسطينية، وربطتها آنذاك بما كانت تعيشه ناميبيا وجنوب إفريقيا من أنظمة فصل عنصري، في قرارها الصادر بتاريخ 4 ديسمبر/ كانون الأول 1986، والذي ينص “على شرعية كفاح الشعوب من أجل استقلالها وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية، والتحرر من السيطرة الاستعمارية والفصل العنصري والاحتلال الأجنبي بكل الوسائل المتاحة، بما في ذلك الكفاح المسلح”.
ورغم عدم الإشارة إلى مفردة “مقاومة”، لكن هذا التوصيف يأتي في سياق حق الدفاع عن النفس، وفي حق تقرير المصير، وهي مبادئ عامة وقد منح القانون الدولي للمبادئ العامة، المتعلقة بحقوق الإنسان الأساسية، صفة الإلزامية القانونية الواجب احترامها، والعمل على تحقيقها، وأنّ أية مخالفة لها هي مخالفة لهذا القانون.
وفي وقت تتنكر الدول الغربية وبعض “العربية” لشرعية المقاومة الفلسطينية في القانون الدولي، يفضحها هذا القانون ويضعها أمام ازدواجية معاييرها ونفاقها، ويأتي زمن المقاومة ليصحّح مسار انحراف تاريخي طويل. والمقاومة ليست عمل عسكري فقط، إنما هي ثقافة حياة وهي حاجة وجودية دائمة، لأنّ العدوان الصهيوني هو حالة عدوان دائم، لطبيعته ولأصل وجوده”
د.سماهر عبدو الخطيب
قدَّم للمقال: محمد الدّجاني_القدس