استعجال النهاية… وعي أم وهم؟
أسماء الجرادي
قال تعالى:{إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ}
يعيش بعض الناس في هذه الدنيا يطلبون الراحة، ويبحثون عن السكينة، ويظنون أن الحياة خُلقت لتكون ناعمة دائمًا. فإذا ضاقت عليهم الدنيا، أو اشتد عليهم المرض، أو خذلهم الناس، أو ضاقت عليهم أنفسهم، تزلزلت قلوبهم، وضاق صدرهم، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، قالوا: “اللهم أقم الساعة!”
وكأن الساعة راحة، وكأنها مخرج سهل من الألم، وكأنها نهاية بلا حساب، ولا سؤال، ولا أهوال.
لكن، هل فكرتم يومًا في معنى الساعة؟ هل تدبرتم قول الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}
إنها لحظة تهتز لها الجبال، وتتفطر لها السماء، وتُنسى فيها الأم رضيعها، وتضع الحامل جنينها من شدة الهول. فأي قلبٍ هذا الذي يطلبها؟ وأي لسانٍ هذا الذي يستعجلها؟
يا من لم يصبر على ألم المرض، فكيف سيصبر على نفخة الصور؟
ومن لم يتحمل فراق حبيب، فكيف سيتحمل فراق الدنيا كلها؟
ومن لم يصبر على ظلم بشر، فكيف سيقف أمام عدل الله؟
ومن لم يحتمل مرض ولده، فكيف سيحتمل أن يرى الناس يُبعثرون من قبورهم حفاةً عراةً، شاخصةً أبصارهم، لا يلتفت أحدٌ إلى أحد؟
إن الذين يستعجلون الساعة، لم يعرفوا حقيقة وجودهم في هذه الحياة الدنيا. لم يدركوا أنها دار ابتلاء واختبار، لا دار خلود ولا راحة دائمة. لم يتفكروا في أن الصبر على البلاء يرفع الدرجات ويكفّر السيئات، وأن كل ألم يصيب المؤمن هو كفارة له ورفعة.
وقد أخبرنا الله أن الساعة آتية وقريبة، وما علينا إلا العمل والاستعداد لها. وحذّرنا من استعجالها، وبيّن حال المؤمنين وغيرهم، فقال:{يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ ۚ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا}
وقال سبحانه:{يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ ۗ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ}
فالمؤمن الصادق لا يستعجل الساعة، بل يخشاها، ويستعد لها، ويعمل ليومها، بينما غير المؤمنين هم من يستعجلونها بجهل أو استهزاء.
أعزائي، إن الاستعداد للساعة هو إيمان راسخ، وتسليم مطلق لأمر الله وقضائه. ولن ينجو من أهوالها إلا من كان قلبه مسلمًا لله، كما أسلم إسماعيل عليه السلام حين وضع أبوه إبراهيم السكين على رقبته امتثالًا لأمر الله، فقال بكل يقين وتسليم:{يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}
ذلك هو الإيمان الحقيقي: إيمان التسليم، إيمان الطاعة، إيمان الصبر على البلاء، والثبات عند الشدة. فهل نحن على هذا القدر من الإيمان والقوة والصبر؟
فلنُراجع أنفسنا.
قبل أن تقول: “اللهم أقم الساعة”، اسأل نفسك:
- هل أنا مستعد للعرض على الله؟
- هل قلبي مطمئن بلقائه؟
- هل أعمالي تشفع لي؟
- هل صبري في الدنيا كان صبر المؤمنين؟
إننا مهما بلغنا في إيماننا وصبرنا، لن نتحمل أهوال الساعة إلا برحمة الله وعونه. لذا، لا تطلبوا الساعة، بل اطلبوا من الله العون على الحياة، والثبات عند الموت، والنجاة يوم القيامة بالعمل الصالح.
كرروا:”اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. اللهم سلّمنا وآمِنّا في هذه الحياة الدنيا وعند الموت وبعد الموت، وارزقنا قلبًا كقلب إسماعيل، ونفسًا مطمئنة ترضى بقضائك، وتثبت عند بلائك.”
