خداعٌ وغدرٌ وباسم السلام
أسماء الجرادي
مرّ أكثر من شهر على دخول ما تُسمى بـ”خطة ترمب لإحلال السلام في غزة” حيّز التنفيذ، وسط ضجيج إعلامي وسياسي يروّج لها كمخرج نحو التهدئة والاستقرار. لكن غزة، التي تعيش تحت النار منذ سنوات، لم ترَ من هذه الخطة سوى الخداع والغدر، والقتل والصمت… وكل ذلك يُرتكب باسم السلام.
رغم انخفاض وتيرة الغارات الجوية، إلا أن القصف المدفعي مستمر، والغارات شبه يومية، والتدمير لا يتوقف، والحصار قائم. المساعدات لا تدخل إلا بالحد الأدنى الذي لا يسد رمق الجوعى ولا يداوي جراح المصابين. سكان غزة اليوم بين البرد والمطر، بلا مأوى، بلا دواء، بلا غذاء، وبلا أي وسيلة تضمن لهم أبسط مقومات الحياة. كل ذلك رغم أن بنود الاتفاق تنص على وقف كامل للعمليات العسكرية، دخول الشاحنات الغذائية والدوائية، توفير الخيام، نقل الجرحى للعلاج في الخارج، وإطلاق سراح الأسرى. لكن إسرائيل لم تنفذ شيئًا. الأسرى ما زالوا يعانون ويلات التعذيب والموت البطيء في سجون الاحتلال، وغزة ما زالت محاصرة، والعدوان يتواصل من كل اتجاه.
ما اتضح حتى الآن أن هذه الخطة ليست سوى غطاء سياسي لإعادة تموضع الاحتلال، واستهداف المقاومين بعد مراقبتهم أثناء عمليات التبادل أو البحث عن جثامين الشهداء. كما جاءت لإنقاذ إسرائيل من الضغوط الدولية، والهجمات اليمنية، والغضب الشعبي المتصاعد في أوروبا. فأوقفت الهجمات، وهدّأت الغضب، وفتحت الطريق أمام الاحتلال ليواصل جرائمه تحت غطاء دولي ناعم.
نصف الشهداء الذين قتلتهم إسرائيل ما زالوا تحت الأنقاض، لم يُنتشلوا، ولم يُذكروا. بينما العالم، ومعه من يسمّون أنفسهم “الوسطاء العرب” يتحدثون عن الضغط على المقاومة بتسليم سلاحها وإخراج جثث الأسرى الصهاينة.
جميعهم في خندق واحد مع العدو، يسعون لإنهاء المقاومة وتصفية القضية الفلسطينية،. هدفهم حماية إسرائيل، وإزالة أي خطر يهددها، ولو كلف ذلك تسليم الأرض العربية بالكامل. يريدون نزع سلاح كل مواطن عربي، ولو كان حجرًا في يد طفل، لأنه في نظرهم خطر على من يسمونها “دولة إسرائيل”. حتى الدين، بات يُنظر إليه كتهديد، ومن يتمسك بعقيدته يُصنّف ضمن أدوات المقاومة التي يجب إزالتها.
وفي الضفة الغربية والقدس، فالمسجد الأقصى يُدنس يومياً، وايضاً تتسارع وتيرة الاستيطان، وتزداد الاعتداءات والانتهاكات على الفلسطينيين وممتلكاتهم، وتُمارس الإعدامات الميدانية، دون أن يرفّ جفن لأي أحد.
هذا ليس سلامًا. هذا اجتثاثٌ للهوية، وتصفيةٌ للقضية، وتواطؤٌ عربي وعالمي قبيح. والحقيقة التي لا يمكن طمسها، أن فلسطين لن تُحرر إلا بالمقاومة. لا مفاوضات، لا خطط، لا مؤتمرات، ولا وعود. وحدها المقاومة، بكل أشكالها، هي القادرة على كسر هذا الحصار، وردع هذا العدو، واستعادة الأرض والكرامة.
المقاومة باقية ما بقي الاحتلال.
