الموت ليس فناءً، بل ولادة أخرى… غيابٌ عن العين، وحضورٌ في الروح. من صدق العهد لا يُغيب، بل يُخلّد.

حيّ في الذاكرة… نابض في الوجدان

عامٌ على الغياب، لكنه بيننا… حضورٌ لا يزول، وخلودٌ لا يُنسى.

لم يكن الغياب نهاية، بل بداية لحضورٍ أعمق، عامٌ مضى وما زال صوته يوقظ الضمائر، وصورته تتوسّد القلوب، وفكره يعبر الأجيال كوهجٍ لا يخبو.
هكذا يُصبح الإنسان فكرةً لا تُمحى، ورسالةً لا تموت، ودمًا يوقّع على عهدٍ لا يُنكث.

قال ربّي: “أحياءٌ ولكن لا تشعرون”، فكيف للغياب أن يُغيّب من لا يموت؟ وكيف للموت أن يكون نهاية، وهو في جوهره عروجٌ بعد هبوط، لقاءٌ بعد فراق، وغربةٌ مؤقتة لا أكثر؟

عامٌ على غيابك – لا على رحيلك، فمثلك لا يرحل – وما زلنا نراك حيّاً فينا، نحيا بذكراك، وتنبض القلوب بندائك.
منذ أيام، والتحضيرات على قدمٍ وساق لإحياء الذكرى الأولى، فإذا بك حاضرٌ في كل التفاصيل؛ في عيون الأطفال، في قلوب الناس، في حجّهم إليك من كل المناطق والبلدان، في الفكر والمنهج والميراث الذي أورثته للأجيال.

نظرنا إلى مكان العروج، فرأيناه منارةً تهدي إلى برّ الأمان، ولمسنا في كل مشهدٍ عمق الحضور رغم الغياب: من حجم الجموع إلى الدموع الممزوجة بالفخر، من الهتافات إلى الصمت الذي خنق العبارات، وعجزت أمامه اللغات.

هنيئاً لنا بك يا ابن الجنوب الأبي؛ أيها العابر كسهم الحق والعز، تخترق الجغرافيا والديانات، وتدخل الأممية من أوسع أبوابها، شامخاً، رافضاً للظلم والخضوع والاستبداد.
ماذا يُقال فيك بعد أن عجز التعبير، وجمّدت المفردات – رغم عظمتها – أمام هامتك؟ لقد ترك غيابك فينا أثراً لا يُمحى، ووعداً لا ينكسر.

أما حقك علينا، فهو عهدٌ ووفاء؛ نحن الثابتون، الراسخون، سلاحك الأول، وأنت القيامة الآتية. لن نقول: “يا ليتنا كنا معكم”، لأننا معكم بالفعل. ولن نتخذ الليل جملاً، فقد قالوا إنه صُلِب ثم قام، وقال ربّي: “شُبّه لهم”. نحن سمعنا ولم نرَ، يا سيّد القلوب، وما زلنا ننتظر الخبر اليقين.

غبتَ نعم، لكن مثلك لا يموت. التاريخ شاهدٌ لا يُكذّب؛ رسولٌ سلّم الرسالة، وأدّى الأمانة، ووقّع بحبر دمه.
سيبقى حاضراً ما دام في الأرض أحرار، وما دامت هناك قلوبٌ تنبض بالحق.

قد يغيب الجسد، لكن الرسالة تبقى، والدم الذي خُطّ به العهد لا يجفّ… فمن سار على درب الحق، لا يموت.

فاتنة علي-لبنان