من حين إلى آخر يطل علينا بشكل متكرر و ممنهج أحد وجوه هذا الكيان الصهيوني و يهدد بحل “السلطة الفلسطينية” أو إنهاء دورها أو ما شابه هذا من المفردات و التصريحات التي تخدم نفس المعنى…
ازدادت وتيرة هذه التصريحات و التهديدات في الآونة الأخيرة مع بداية طوفان الأقصى، وكان آخرها تصريح مجرم الحرب الصهيوني المدعو “بتسلئيل سموتريتش”، كرد فعل على عملية القدس البطولية التي نفذت يوم الإثنين الماضي،إذ قال”سموتريتش”: يجب أن تختفي “السلطة الفلسطينية” من الخريطة وأن تصبح القرى التي جاء منها المنفذون كرفح وبيت حانون”، أي إنه بذلك يحمِّل “السلطة” المسؤلية ؛ كون منفذي العملية وفق تعبيره سكان لمناطق “تخضع لسيطرة هذه السلطة”، رغم أن هذه السلطة كما تابعنا أدانت هذه العملية!
هل هذا التصريح الذي أطلقه سموتريتش وما شابهه من تصريحات نتيجةٌ لما يشكّله وجود هذه السلطة من خطرٍ على الكيان؛ كما يروج بعض المطبلين لهذه السلطة؟!!
أم إن هذه التصريحات مجرد نوع من التوبيخ على التقصير أو التحفيز لجعل السلطة تقوم بواجباتها بشكل أفضل؟!!
هل الكيان منقسم بوجهة النظر فيما يتعلق بهذه السلطة؟
لم يعد يخفى على أحد أن هذه “السلطة الفلسطينية” صنعها الاحتلال خدمة لأمنه، لا بل تعتبر جزءًا من مكونات المشروع الصهيوأمريكي في منطقتنا، مثلها مثل العديد من الأنظمة العربية العميلة، و إذا كان فعلًا هذا الاحتلال يريد أن يستغني عن منظومة أمنية هو صنعها واستبدالها بمنظومة أكثر فاعلية أو خدمة لخطة استراتيجية ما، هذا لا يبرئ هذه السلطة من عمالتها للاحتلال، لكن هل يريد الاحتلال حلَّ هذه السلطة فعلًا؟و إذا كان يرغب بهذا فعلًا ما الذي يمنعه عن ذلك؟!
على أية حال حتى لو كان الاحتلال غير جادًا في هذه التصريحات، فهي مفيدة له على ثلاثة أصعدة:
-الصعيد الأول في مواجهة هذه السلطة،حيث أن هذه التهديدات و التوبيخات تحفز رجالات هذه السلطة المنتفعين على القيام بواجباتهم الأمنية اتجاهه.
-الصعيد الثاني في مواجهة مجتمع المستوطنين و خاصة المتطرف منه، فهذه التصريحات تزيد من شعبية كل من “سموتريتش” و “بن غفير” ومن على شاكلتهم من المتطرفين من خلال تبنيهم لتصريحات أكثر تتطرفًا من غيرهم من قادة الكيان تماشيًا مع خرافات تلموذية تنحدر منها عقيدة مؤيديهم.
-على صعيد ثالث في مواجهة دول العالم التي تنادي بتنفيذ القرارات الدولية، وخاصة القرارين ٢٤٢و٣٣٨، اللذين جاءا بما يسمى “حقوق الشعب الفلسطيني” من خلال اتفاقية “أوسلو” و قرارات الأمم المتحدة و مجلس الأمن، من خلال التذرع أن هذه السلطة ليست كفؤًا لتولي مسؤوليتها، وكردة فعلٍ على العزلة الدولية من قبل بعض الدول التي شرعت الاعتراف بدولة فلسطين الممثلة بهذه السلطة في الآونة الأخيرة.
فبأضعف الاحتمالات حتى لو لم يكن الاحتلال جادًا فيما يقول تمامًا فإنه مستفيدٌ من هذه التصريحات، لكننا بالآونة الأخيرة بتنا نتابع الكثير من التقارير و الأحاديث على وسائل الإعلام التي تشير إلى أن الاحتلال معني بإلغاء وجود “السلطة الفلسطينية”، فهل هو يرغب ولكنه لا يستطيع خوفًا من المجتمع الدولي؟
بداية و قبل الإجابة على هذا السؤال، نريد التنويه أنه لا يوجد “دولة” في العالم لا تعير أهمية للمجتمع الدولي بشكل أو بآخر، وهذا الكيان يعنيه المجتمع الدولي والرأي العام العالمي قبل اتخاذ هذه الخطوة، لكن ليس بالقدر الذي يعيقه عن تنفيذها إذا كانت تصب بمصلحته التوسعية و تخدم مشروع “إسرائيل الكبرى”، وما يؤكد ذلك أن الكيان الصهيوني يمضي قدمًا بارتكاب المجازر في غزة دون اكتراث بالعالم، فمن السذاجة القول إن الذي يمنع الاحتلال خوفه من المجتمع الدولي من خطوة لن تكون أخطر مما ارتكبه في غزة كنظرة أولية على الأقل دون الخوض بالعواقب المجهولة.
ليس من مصلحة الاحتلال الصهيوني حلُّ هذه السلطة على الصعيد القريب من الناحية الأمنية، حيث إنه بحلها و كأنه يلغي عمل لواء فاعل في جيشه، ناهيك عن أن حل هذه السلطة سيؤدي إلى صدام مجتمعين بشكل مباشر،المجتمع الفلسطيني بكافة مكوناته من جهة و “المجتمع الصهيوني” بكافة مكوناته من جهة أخرى،ولا ننكر أن السلطة لها وجودها بالشارع و المجتمع الفلسطيني من خلال أبناء الأجهزة الأمنية و الموظفين العموميين و عائلاتهم ومن حولهم الذين شئنا أم أبينا يشكلون جزءًا من الواقع الفلسطيني بكل تعقيداته،أي سيكون جزء من هذا الصدام مع أبناء هذه الأجهزة مما توفر معهم من أسلحة لو على الأقل من باب الدفاع الفطري عن النفس…
و الأهم مما سبق، أنه في حالة غياب هذه السلطة سيبرز تياران في المجتمع الفلسطيني، تيار موالي للاحتلال بشكل أكثر وضوحًا من السلطة وبعمالة مطلقة والتيار الثاني هو المقاومة الفلسطينية التي ستصبح مرجعية هذا الشعب الوحيدة، كون أن التيار الموالي للاحتلال الذي تم ذكره، سيمارس العمالة للكيان بوجهها الكلاسيكي
الواضح فسيقل عدد أتباعه،كونه سيتبع عكس الأسلوب الذي كانت تمارسه السلطة من ادعائها للوطنية، وخلطها للأوراق.
فما يمنع و يؤخر إقدام الكيان الصهيوني على حل السلطة هو مخاوفه الأمنية فقط، إذ إنه بذلك يقحم نفسه بالمجهول، لكنه من الناحية الاستراتيجية يسعى إلى ذلك، حيث أنه عند إيجاده مخرجًا لهذه المعضلة الأمنية والفراغ الذي سيتركه غياب السلطة، سيقدم على هذه الخطوة دون تردد خدمةً لمشروعه التوسعي “إسرائيل الكبرى”.
و كتحليل شخصي إن حل السلطة إذا تمّ ، سينتج عنه صدامات و مخرجات جديدة و كلها ستكون في بداية الأمر محسومة لمصلحة الاحتلال على المدى القريب نتيجة لعدم تكافؤ القوى، و نتيجةً لأن الاحتلال قبل أن يأخذ هذه الخطوة سيكون قد وضع خططًا للتعامل مع نتائجها، لكن مع مرور الوقت سيحسم الشعب الفلسطيني المعركة لصالحه من خلال المقاومة بعد أن يدرك بكل مكوناته أنه لا يملك خيارًا غيرها، و بعد أن يدرك أيضًا أن هذا الاحتلال ينوي إبادته و تهجيره دون استثناء أحد، و بعد أن يدرك أيضًا ما مدى عمق مقولة القائد الوطني الكبير الرفيق د.جورج حبش التي هي:
“”ثوروا، فلن تخسروا سوى القيد والخيمة”
أبو الأمير-القدس