ناصر قنديل


في الاطلالة الأخيرة للشهيد السيد حسن نصرالله أطلق معادلة جديدة اضافة الى معادلاته السابقة الكثيرة التي تحتاج كل منها إلى إعادة درس وتقييم واستخلاص العبر، والتي سوف تبقى مدرسة للخبراء والعلماء ودارسي اصول وفنون الحرب، بما فيها “إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت” التي تتعرض هذه الأيام للسخرية والتندر من بعض الجاهلين المتسقلين على سطح الثقافة كالطفيليات، وهذه المعادلة التي اعتبرها الكثيرون ظرفية تتصل بالرد المرتقب من المقاومة على ضربات قاسية تلقتها المقاومة، وهي معادلة “الخبر فيما ترون  لا ما تسمعون”.
الترجمة الظرفية لمعادلة السيد جاءت فعلا بعد استشهاده في القتال الاستثنائي الذي خاضته المقاومة على الحافة الأمامية وتمكنت خلاله من إلحاق هزيمة برية غير مسبوقة بستة فرق من جيش الاحتلال قوامها سبعين ألف جندي وضابط، منهم أربعة أولية نخبة على الأقل، لكن  المعادلة تبقى أعمق بكثير وأبعد مدى بكثير من هذه المعطيات المتصلة بالضربات الاسرائيلية التي توجها اغتيال السيد، ورد المقاومة بتعطيل حرب برية كاملة لجيش الاحتلال كان يفترض أن تستثمر نتائج هذه الضربات، فأسقطت مفاعليها الميدانية في مفهوم الحرب الكلية، ما أجبر الاحتلال على التخلي عن سقفه المرتفع لمفهوم التفاوض تحت النار، والقبول باتفاق وقف إطلاق النار، والرهان على ما تتيحه الرعاية الأميركية واللعبة السياسية اللبنانية من فرص للتحايل على الاتفاق كما يحصل الآن تماما.
معادلة السيد التي تقوم التمييز بين ما تسمعون وما ترون، هي تعبير عن فهم المعادلة المقابلة القائمة على ربط نتيجة الحرب بما تسمعون لا بما ترون، اي بما تنجح الآلة الإعلامية والعسكرية الأميركية الاسرائيلية و في الحلف الذي تقوده واشنطن وتتجند في خدمته قنوات إعلامية وصحف عربية عملاقة وأجهزة استخبارات إقليمية تملك جيوشا الكترونية واسعة الانتشار، كترجمة لمدرسة الحرب الجديدة التي تقول بأن النصر والهزيمة لم يعودا حاصل ما يجري في الميدان، بل في حصيلة ما يرسخ في عقول الناس عنه، حيث يتقدم إدراك الناس للأحداث والوقائع، على حقيقة هذه الأحداث والوقائع، ورد السيد على هذه المنهجية دعوته لتصنع الناس روايتها عن الأحداث والوقائع من خلال  معاينتها المباشرة لما يجري على أرض الواقع، وليس على ما تتلقاه من وسائل الإعلام.
خلال سنتين من الحرب يجهد الحلف الذي تقوده واشنطن لتعميم صورة تفوق اسرائيلي يهيمن على المنطقة، وينتقل من انتصار الى انتصار، وبالمقابل مقاومة مهزومة انتهت مرحلتها، وباتت شيئا من الماضي، ومحاولة لمنع الناس من مجرد التفكير بسؤال، ما دامت المقاومة في فلسطين قد انتهت فلماذا تستمر الحرب وبهذه الشراسة والوحشية والإجرام، وما دامت المقاومة في لبنان قد انتهت فلماذا هذا الاستنفار لكل خصوم المقاومة من اللبنانيين والعرب والغرب تحت شعار أولوية نزع سلاح المقاومة، واذا كانت ايران خارج المعادلة فلماذا تنشغل أوروبا بمفاوضتها وتسعى الوكالة الدولية للطاقة الذرية باعادة الوصل معها، وتبذل واشنطن جهودا لاعادتها الى حلبة المفاوضات؟
يعرف جنرالات الحروب أن النصر والهزيمة فيها لا يقاسان بحجم القتل والتدمير الذي تقوم به الجيوش، بل بمعادلات دقيقة محسوبة بسؤال الجيوش المهاجمة عن تحقيق أهداف الحرب، من جهة، وعن مضمون وقف اطلاق النار اذا لم ترفق به شروط سياسية وما يعنيه من فشل الحرب، مهما خلفت من قتل وتدمير وتجويع، وإن أرفقت به شروط سياسية يتم فحصها بالأهداف المعلنة للحرب لقياس نسبة النجاح والفشل، ولهذا لم يقم جاهل أو عالم بالقول ان المانيا انتصرت على روسيا رغم تدمير ستالينغراد و ليننغراد وموت مليون ونصف  روسي من الجوع في ليننغراد وحدها، بل احتسب النصر لروسيا انطلاقا  من معادلة القتال بين الجيوش وحصيلته الحربية فقط.
في معادلات  الحروب بما ترون  لا بما تسمعون، معياران للحساب، الأول مقارنة الجبهات الداخلية للمتحاربين، ودرجة دعمها للحرب، والثاني الخط البياني لقدرة القوى المقاتلة على المضي قدما وتحمل تبعات الحرب، ووفق المعيار الأول جبهة الكيان تتصدع ويخرج مئات آلاف المتظاهرين طلبا لوقف الحرب، مقابل حروب دفاعية من ايران الى اليمن الى غزة ولبنان تتماسك الجبهة الداخلية فيها وراء القوى المقاتلة، وبالتوازي جيش الاحتلال يشكو نقصا بشريا وضعفا معنويا وتراجعا في الأداء مقابل قوى تملك قدرة الثبات والصمود وتواصل القتال بكفاءة عالية وروح معنوية بطولية كما يحدث في غزة، وتطور وتبتكر الجديد كما يحدث مع صواريخ اليمن، وأعادت بناء قدراتها وتعلن جاهزيتها للحرب كما هو الحال في لبنان، واقامت توازنا عسكريا مثاليا مع الأميركي والاسرائيلي كما هو حال ايران، اما القتل والتدمير والضربات وإشعال النيران فهي ضرورات للاحتلال لتقديم أركان رواية نصره التي تعتمد عليها معادلة ما تسمعون لا ما ترون.

By adam