عدنان عبدالله الجنيد.

المقدّمة:

من الضالع، تلك الصخرة الصمّاء التي حطّمت جبروت الاحتلال البريطاني، واحتضنت جذوة الأحرار، انطلق فهد الجنيد، ابنُ الحيدِ الأشمّ، ليرث إرثًا متّقدًا من جده محمد بن صلاح، ذلك الأسد الذي ألهب الحشاء نارًا في وجوه العثمانيين، وعلّم الغزاة أن الأرض اليمنية لا تُوطأ بالمهانة.

لقد كان فهد امتدادًا لتاريخٍ تتوارثه الدماء؛ من نار الجدّ الثائر، وكرار الأجداد، إلى فهدٍ لم يعرف السكون، يزأر في عسير ونجران، ويقتحم المواقع كما يقتحم الفهد غنيمته، سريعًا، مزلزلًا، صاعقًا.

حين اشتعل العدوان على اليمن، لم يتردّد فهد الجنيد في أن يشدّ رحاله إلى جبهة الضالع عام 2014، حيث ارتسمت أولى سطور بطولاته، ثم في الحديدة حيث جُرح جسده وبقي قلبه نابضًا بالعزيمة، فعاد بعدها إلى الضالع مشاركًا في تحرير المديرية.

لم يكن الجرح إلا وقودًا جديدًا، أعاده إلى الميدان أكثر صلابة، حتى التحق بكتيبته المنتقلة إلى الحدود، هناك في مجازة عسير، حيث صار اسم “فهد” عنوانًا للسرعة، والقوة، والجرأة.

لقد كان سريعًا في الاقتحام، جريئًا في المواجهة، حاسمًا في قراره، لا يعرف التراجع ولا يُؤمن بالخذلان.

ومن هناك، من ثرى عسير ونجران، كتب آخر فصول حياته بدمه الطاهر، لتُزهر على أرض الوطن قناديل حريةٍ لا تنطفئ.

وإن يكن اسم “فهد” قد حُمل في المعاجم رمزًا للشجاعة والسرعة والذكاء، فإن “أبو لقمان” حمل معنى الحكمة والوقار، ليجتمع في شخصه قوة الفهد وحكمة لقمان، فيغدو أسطورةً من لحم ودم.

كان في المعركة أسدًا كاسرًا، وفي الموقف نصوحًا حكيمًا، يسكب على من حوله الطمأنينة، ويزرع في القلوب يقين النصر.

لكن فهدًا لم يكن فردًا خارج سياق التاريخ، بل كان حلقة في سلسلة من الجهاد توارثتها أسرة الجنيد؛ فجدّه محمد بن صلاح الجنيد كان الثائر الذي رفض ظلم الأتراك، وصدّ محاولاتهم لطمس هوية آل البيت في الحشاء، وأبى أن يدفع الخراج الجائر، أو يسلّم أرضه، أو يركع لولاةٍ غاصبين.

لقد قاتل محمد بن صلاح العثمانيين في المقدار والمجزعة والمشد، وأسقط حملاتهم واحدةً تلو الأخرى، حتى ارتعدت جيوشهم بقتله أحمد بك عزة باشا.

عاش مطاردًا في جبال اليمن ثمانية عشر عامًا، لكنه لم ينحنِ ولم يستسلم، فعاد بعد رحيل الغزاة إلى المقدار، ليظل رمزًا من رموز الصمود.

وهكذا كان الحفيد على خطى الجدّ: فكما ثار الجدّ في وجه العثمانيين، ثار الحفيد في وجه تحالف العدوان.

كلاهما واجه غزاة، وكلاهما رفض الخضوع، وكلاهما صار أيقونةً في سفر المقاومة اليمنية.

إن دماء فهد لم تكن نقطة في سجل الفداء وحسب، بل كانت عهدًا جديدًا: أن معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس ماضية حتى زوال كل احتلال.

وسرعة اقتحاماته في المواقع، هي ذاتها سرعة صواريخ فلسطين ٢ وهي تدكّ حصون العدو، فكأن الفكرة وُلدت من وهج سرعته وإقدامه.

الخاتمة:

فهد الجنيد (أبو لقمان)، يا من جمعتَ صلابة الفهد وحكمة لقمان، وامتداد محمد بن صلاح، سلامٌ عليك في ذكراك السابعة، وسلامٌ على دمك الطاهر الذي صار حبرًا لكتابة عهدٍ لا ينكسر.

لقد علّمتنا أن الإيمان موقف، وأن الشهادة قدر الأحرار، وأن القلوب المطمئنة باليقين لا تهزمها جيوش الأرض مجتمعة.

نمْ قرير العين، فاليمن ماضية على دربك، ومحور المقاومة يحمل وصيتك، وأرض فلسطين تسمع زئيرك مع كل صاروخ ينقضّ كالبرق.

سلام عليك، يوم ولدت من رحم الضالع الصخرة، ويوم جاهدت في عسير ونجران، ويوم استشهدت، ويوم تبعث حيًّا، رمزًا خالدًا، وقنديلًا يضيء درب الفتح الموعود.

By adam