يستخدم الساسة في لبنان مصطلحات مزيّفة لتبرير مواقف غير قابلة للهضم وفق معايير السيادة الوطنية، ولذلك عندما يقال إن حصرية السلاح بيد الدولة طريق للحفاظ على السيادة، سواء باستعادة ما هو محتل من الأرض أو بوقف الحرب والاعتداءات على ما تبقى من الأرض والأجواء، فإن أحداً من المسؤولين لا يجيب على سؤال، ماذا لو أنه بعد تسليم سلاح حزب الله، لم تنسحب “إسرائيل” ولم توقف اعتداءاتها، وعاملت لبنان بعد تسليم حزب الله سلاحه، كما عاملت سورية بعد تدمير سلاحها، فاستباحت جنوب سورية وجاهرت بأنها تريده منطقة أمنية تتحرك فيها قواتها بحرية ويحظر على جيش سورية الدخول إليها، والمنطقة أكبر من لبنان، وما قدّمته سورية لا يستطيع لبنان مجرد التفكير بتقديم مثله، ورصيد الحكم الجديد في سورية يوفر له دعماً لا يحلم لبنان بمثله، فله رصيد لدى أميركا التي رفعت عنه العقوبات وأزالت حزبه الحاكم عن لوائح الإرهاب، ولدى تركيا التي تعتبره ابنها المدلل الذي ولد في كنفها وتحت رعايتها، والسعودية التي وضعت مساهماتها وسائر العرب لإدارة الرئيس الأميركي بتريليونات الدولار في كفة موازية لطلب رفع العقوبات عن سورية، ولذلك لا شيء يمنع ان يحدث مع لبنان ما حدث لسورية، لكن المسؤولين اللبنانيين لا يجيبون، رغم أن كل ما يراهنون عليه هو ان اميركا وعدتهم بذلك وهي قد سبق لها قبيل وقف اطلاق النار ان وعدت بتنفيذ “إسرائيل” لانسحاب ووقف الاعتداءات وذهبت الوعود أدراج الرياح. والمنطق يقول أن يتوقع لبنان بعد تسليم حزب الله سلاحه ان تقوم “إسرائيل” بإنذار الجيش اللبناني للخروج من جنوب الليطاني، ثم طرد قوات اليونيفيل والتمدد نحو نهر الليطاني، والبدء ببناء مستوطنة النبي بنيامين في محيبيب التي لا يعرف اللبنانيون لماذا قامت “إسرائيل” بنسف كل بيوتها وإزالتها كلياً خلال عدوان عام 2024.
يستطيع المعجبون بنموذج التطبيع والمستعجلون على التخلص من سلاح المقاومة أن ينكروا كل ذلك وأن يقولوا إن الحديث عن أطماع إسرائيلية هو أوهام، وإن “إسرائيل” بمجرد التخلص من سلاح حزب الله سوف تلبي كل طلبات لبنان، لكنهم لا يقدّمون دليلاً واحداً على أن ذلك هو ما سوف يحدث إلا قولهم ان هذا سيكون مكسباً كبيراً كافياً لـ”إسرائيل”، لكن بالنسبة لـ”إسرائيل” المكسب الكبير لا يكون كافياً بل فاتح للشهية على مكاسب أكبر خصوصاً اذا كان الطرف المقابل مجموعة من الأغبياء يتنازلون عن أسباب القوة التي تجعل “إسرائيل” تقيم حساباً للتورط في الحرب، ويكفيها زوال هذه القوة لتفتح ملفاتها القديمة، كما فعلوا في سورية تماماً، ولذلك نسوق مثال سورية لكن لا أحد يجيب، والأغبياء هكذا يفعلون، لذلك سوف نواصل النقاش وطرح الأسئلة طلباً لجواب وأمرنا لله.
يناقشنا هؤلاء الأغبياء في فكرة السلاح الذي يجعل “إسرائيل” تقيم حساباً للتورط في حرب، وهم لا يميزون بين قدرة “إسرائيل” على التدمير بلا حدود وقدرتها المحدودة على تحمّل التعرض لوسائل قادرة على تدمير بعض ما لديها، فلا يفهمون معنى أنها كانت تقول بالتفاوض مع لبنان تحت النار حتى تلقت صواريخ يوم 24-11 فسارعت الى طلب وقف النار، وأنها في الحرب مع إيران فعلت شيئاً مماثلاً وعلى مستوى أوسع منذ اليوم الثامن للحرب كما يقول الأميركيون، وهم يتجاهلون لماذا يضع الأميركي على رأس جدول الأعمال طلب نزع السلاح الصاروخي الثقيل الدقيق لدى حزب الله، وهو ما يسميه البعض في لبنان بحصرية السلاح، والسؤال هو بالفعل هل تجرؤ الحكومة في لبنان على حصر السلاح بالدولة؟
حصر السلاح بالدولة يعني استلامه من الأطراف التي تمتلكه ووضعه بتصرف الدولة عبر مؤسساتها العسكرية، فهل هذا ما يعنيه المسؤولون بالحديث عن حصرية السلاح، لأن ما جرى حتى الآن هو تدمير السلاح وليس حصره بيد الدولة، وما دمنا قد وصلنا للحديث عن الصواريخ الثقيلة الاستراتيجية والدقيقة، فمن حقنا أن نسأل الحكومة ورئيسها، هل تطلبون هذه الصواريخ لتشكيل وحدة صاروخية مناسبة في الجيش اللبناني تتولى تسلمها وإضافتها الى ترسانة الجيش وتشكيل قوة ردع دفاعية بوجه خطر العدوان على لبنان، أم أنكم التزمتم سلفاً بتدميرها، لأن المسألة بالنسبة لـ”إسرائيل” ليست من يملك هذا السلاح الرادع في لبنان، بل إن جوهر الموقف الأميركي والإسرائيلي هو بالدقة، ممنوع أن يمتلكه أحد في لبنان، سواء كان اسمه حزب الله او الجيش اللبناني، فهل تجرؤ الحكومة على التمسك بمبدأ حصرية السلاح أم تتجرأ على مصارحة اللبنانيين بأنها تقصد تدمير السلاح على الطريقة السورية، وأنها تعلم أن الذي يلي ذلك قد يكون التمدّد الإسرائيلي في التوسع والعدوان على الطريقة السورية أيضاً، يعني لا حصرية سلاح ولا سيادة ولا من يحزنون؟

تجتمع الحكومة يوم الثلاثاء ونسألها هل تجرؤ على اتخاذ قرارين، وهما حبر على ورق لا يرتبان أي تبعات عملية، قرار بتشكيل لجنة لوضع دفتر شروط لاستدراج عروض لشراء شبكة دفاع جويّ، وهو ورق يمكن إتلافه ساعة تشاء الحكومة ويمكن تفعيله إن شاءت، فهل تجرؤ؟ والقرار الثاني تشكيل وحدة إسناد صاروخي ثقيل في الجيش قادرة على استيعاب الصواريخ التي قد يستلمها الجيش من المقاومة، ووضع آليات إدارية لاستيعاب خبرات وقدرات بشرية مؤهلة في استخدام سلاح الصواريخ من ضباط ومقاتلي المقاومة، ووضع آليات عمل هذه الوحدة في هذين المجالين؟

أ.ناصر قنديل