ممرّات جيوسياسيّة من أذربيجان إلى الكيان
بقلم أ.ناصر قنديل /الخميس2025/07/31
لم يكن اختيار باكو عاصمة أذربيجان مكاناً للتفاوض التركي الإسرائيلي ثم السوريّ الإسرائيلي مجرد اختيار لفندق مناسب لاستضافة المفاوضات، وقد كانت باريس قد وفّرت مكاناً أكثر أناقة وجاذبيّة لجلسة مفاوضات الأسبوع الماضي التي جمعت أسعد شيباني وزير خارجية النظام الجديد في دمشق والمعاون الأول لرئيسه أحمد الشرع، ووزير الشؤون الاستراتيجيّة في حكومة بنيامين نتنياهو ومعاونه الأول رون ديرمر، اللذين يلتقيان اليوم في باكو.
من جهة تشكّل أذربيجان على الصعد الاستراتيجيّة والدبلوماسيّة والاستخباريّة نقطة تقاطع موثوقة أميركية تركية إسرائيلية، وهي الجهات المعنية مباشرة بالوضع السوري الجديد، بالرغم مما يعنيه ذلك من تهميش لمكانة السعودية ودول الخليج في صياغة مستقبل سورية، حيث كانت قطر تمثل وجهة أكثر قرباً من المناخ الخليجيّ و ديرمر والشيباني يعرفان فنادقها جيداً، إضافة لوجود قاعدة أميركية على مسافة مئات الأمتار من أفخم هذه الفنادق، لكن قطر ليست الوجهة المناسبة للبحث في كيفية تطوير المواجهة الأميركيّة الإسرائيليّة مع إيران واستثمار الجغرافيا متاح من أذربيجان، كما قالت الحرب الأخيرة ومحدودة المجالات من قطر باستثناء استخدام القاعدة الأميركيّة لقيادة العمليات، ويبدو أن البحث في المفاوضات يطال في جزء رئيسي منه استخدام سورية كجغرافيا وفرصة أمنية في هذه المواجهة مع إيران وحزب الله بما لا تستطيع تركيا المجاهرة به ولا يمكن لقطر تبنّيه، بينما قطعت أذربيجان شوطاً هاماً في التموضع على أساسه.
عندما توغلت “إسرائيل» في جنوب سورية ظهر مصطلح في الجغرافيا السياسية والعسكرية هو ممر داود، والمقصود هو المشروع الإسرائيلي لربط جنوب سورية وشمالها بالسير على الحدود السورية العراقية، وتشكيل منطقة نفوذ إسرائيلية تستند إلى بيئتين تسعى “إسرائيل» لجعلهما امتداداً سياسياً اجتماعياً للنفوذ الإسرائيلي تحت شعار الحماية من مخاطر تمثلها المؤسسات الأمنية والعسكرية للنظام السوري الجديد، ما يطرح السؤال عن موضوع التفاوض السوري الإسرائيلي في هذه الحالة، طالما أن أي حكومة في سورية مهما كانت حليفة لـ»إسرائيل» لا تستطيع الموافقة على اقتطاع الشمال والجنوب كمناطق نفوذ إسرائيليّة؟
يقترح الإسرائيليون حلا لهذه المعضلة يريدون إقناع الحكومة السورية أن تقبله وتقوم بتسويقه، والحل هو الحديث عن مرحلة انتقالية تحت شعار بناء الثقة تمتد لخمس سنوات، يتمّ تأجيل البحث خلالها بمصير الجولان السوري المحتلّ واتفاق فض الاشتباك، وتقبل خلالها الحكومة السورية القائمة بأن تكون هناك ترتيبات أمنيّة إسرائيليّة في الجنوب وعلى خط الحدود السورية العراقية، حيث نقاط انتشار القوات الأميركية، واعتبارها إضافة لكونها جسر ثقة، تعاوناً أمنياً في مواجهة مخاطر عراقيّة وإيرانية عبر الحدود، وهذا الربط البرّي الإسرائيلي الواصل إلى الحدود التركية، يلاقي ربطاً برياً برياً آخر بين أذربيجان وتركيا يجري العمل على فرضه كأمر واقع وتسويقه لدى إيران وروسيا باعتباره اختباراً انتقالياً لخمس سنوات.
تقع أرمينيا كحاجز جغرافيّ بين تركيا وأذربيجان من جهة، وممر جيو سياسي واستراتيجي بين إيران وروسيا من جهة موازية، وتربط إيران عبر روسيا بأوروبا وتربط روسيا عبر إيران بالهند وباكستان، لكن أرمينيا تقطع أذربيجان إلى قطعتين، واحدة شرق أرمينيا تضمّ أغلب مساحة أذربيجان وثانية جنوب غرب أرمينيا تضم ولاية ناخيتشيفان الأذربيجانيّة، وتحت شعار السعي لربط جزءي البلاد براً يتقدّم مشروع ممر زانغزور المقترح بعرض بين 5 و10 كلم داخل أراضي أرمينيا لربط جزءي أذربيجان، لكن عملياً لإقفال اتصال روسيا وإيران عبر أرمينيا، وربط تركيا وأذربيجان، واللافت أن الممرّ الذي سبق وطرح مراراً يتحرّك مؤخراً بقوة، وخلال الشهرين الماضيين شهدت المنطقة تحرّكات مكثفة تحت عنوان تفعيل الممرّ الواقع بطول 50 كلم في مقاطعة سونيك الأرمينيّة.
المثير للاهتمام أن المبعوث الأميركيّ إلى سورية ولبنان والسفير الأميركي في أنقرة توماس باراك يظهر مجدداً على خط المقترحات التفاوضيّة حول الممر، متحدثا عن استئجار مساحة الممرّ لمئة عام كحل اقتصادي، بينما باراك نفسه يساهم في إدارة التفاوض السوري الإسرائيلي في باكو، وربط ممري داود وزانغزور عبر تركيا يتيح لـ»إسرائيل» طريقاً برياً إلى أذربيجان، ولنقل بوضوح أكبر إلى حدود إيران!.