في الثالث والعشرين من ديسمبر 2024، نُشر مقال أكاديمي جديد أثار جدلاً واسعاً داخل الأوساط العلمية، حيث كشف عن التاريخ السري الصادم لبرامج أبحاث التحكم بالعقل التي أدارتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA). ورغم أن العديد من الوثائق الأصلية تم تدميرها من قبل مدير الوكالة آنذاك، ريتشارد هيلمز، ورئيس المشروع سيدني غوتليب، إلا أن المنشور الجديد كشف عن أدلة مهمة تتعلق بأحد أكثر البرامج شهرة في تاريخ الوكالة.

تحت أسماء رمزية مثل مكلترا MKULTRA وغيره، نفذت الوكالة تجارب مرعبة تضمنت استخدام العقاقير، والتنويم المغناطيسي، والعزلة، والحرمان الحسي، وتقنيات أخرى على البشر، وغالباً ما كانوا مواطنين أمريكيين، دون علمهم أو موافقتهم بأنهم جزء من تجارب تابعة للوكالة.

يأتي هذا الكشف بعد مرور سبعين عاماً على تطوير شركة ’إيلي ليلي وشركاه’، عملاق الأدوية الأمريكي، عملية لتصنيع مادة ’إل إس دي’ بشكل أسرع في أواخر عام 1954، مما جعلها المورد الرئيسي لوكالة الاستخبارات لهذه المادة الكيميائية النفسية المحورية في جهود التحكم بالسلوك. و من الوثائق التي تم الكشف عنها:

  • خطة معتمدة من مدير الوكالة في عام 1950 لتشكيل فرق استجواب تستخدم جهاز كشف الكذب، والعقاقير، والتنويم المغناطيسي لتحقيق أفضل النتائج في تقنيات الاستجواب.
  • مذكرة عام 1951 توثق اجتماعاً بين مسؤولي الوكالة ومسؤولين في استخبارات أجنبية حول أبحاث التحكم بالعقل واهتمامهم المشترك بفكرة التحكم الفردي بالعقل.
  • سجل يومي لعام 1952 لجورج وايت، وهو عميل اتحادي لمكافحة المخدرات، يدير منزلاً آمناً اختبرت فيه الوكالة عقاقير مثل “إل إس دي” وأجرت تجارب أخرى على أمريكيين دون علمهم.
  • تقرير عام 1952 عن “نجاح” استخدام أساليب استجواب التي دمجت بين “التنويم المغناطيسي” و”التخدير” لإحداث ارتجاع نفسي وفقدان ذاكرة لدى “عملاء روس يُشتبه بتعرضهم للاختراق”.
  • مذكرة عام 1956 وقعها سيدني غوتليب، وافق فيها على مشروع لتقييم تأثير جرعات كبيرة من “إل إس دي-25” على متطوعين بشريين داخل السجون في أتلانتا.
  • تقرير عام 1963 من المفتش العام للوكالة، والذي دفع القيادة إلى إعادة النظر في استخدام أمريكيين دون علمهم في برنامجها السري لاختبار العقاقير.
  • شهادة عام 1983 لرئيس المشروع سيدني غوتليب في قضية مدنية رفعتها فالما “فال” أورليكو، وهي إحدى ضحايا المشاريع التي رعتها الوكالة بقيادة الدكتور إيوان كاميرون في معهد آلان التذكاري بمونتريال.

إن الكشف عن التعذيب والانتهاكات التي ارتكبتها الحكومة الأمريكية باستخدام نزلاء السجون كفئران تجارب لأبحاث غير قانونية وغير إنسانية حول أدوية تُستخدم خلال استجواب الروس وغيرهم يعكس ليس فقط تجاهلها طويل الأمد للقوانين الدولية وحقوق الإنسان، بل يُظهر أيضاً استعدادها لاستخدام تلك الانتهاكات ضد مواطنيها أنفسهم.

لم تكتفِ الحكومة الأمريكية بهذه الجرائم الفظيعة، بل إن هذا الكشف ظل طي الكتمان لمدة أسبوعين دون أي تغطية من وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية. ولم يُسلط الضوء عليه إلا عندما كشف عنه راي ماغفرن، وهو ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية وناشط سياسي، بعدما نبهته إليه وسيلة إعلام روسية.

تُظهر هذه القضية أن الحكومة الأمريكية لا تكتفي بإهمال احتياجات مواطنيها في مجالات الإسكان، والرعاية الصحية، والتعليم، والأمان، وحتى خلال الكوارث الطبيعية، بل إنها تُسهم في استغلالهم وتعاطيهم بالأدوية كأنهم مجرد أدوات لصالح النخب المليارديرية التي تتحكم في المجمع الصناعي العسكري وشركات الأدوية الكبرى.

والمأساة الأكبر أن هذه الانتهاكات تمتد إلى قضايا أخرى، حيث تعمل شركات الأدوية الكبرى وصنّاع القرار معاً لخفض سن الموافقة على العلاج التحويلي للجنس دون موافقة الوالدين. والأسوأ من ذلك هو قمع حق الأمريكيين الأول في حرية التعبير، بحيث لا تُكشف الانتهاكات إلا بعد عقود، دون أن تُعلم بها الصحافة الحرة التي يُفترض أن تخدم الشعب.

كل يوم تظهر علامات جديدة على انحدار الإمبراطورية الأمريكية، لكن يبقى السؤال: لماذا يعتقد كثيرون في العالمين الغربي والعربي أن لدى الولايات المتحدة ما تقدمه لهم، مما لا يستطيعون تحقيقه بأنفسهم إذا ما تحرروا من قبضتها الحديدية.

رندة سيكسيك-أستراليا