– خلال شهر تقريباً، تدحرجت حجارة محور المقاومة في المشرق. فالمقاومة في لبنان بعدما تلقّت ضربات موجعة وشُنّت عليها حرب شاملة، قرّرت ربط وقف إطلاق النار بعنوان الدفاع عن لبنان بدلاً من عنوان الإسناد لغزة، وجعل وقف النار على جبهة لبنان مشروطاً بقبول الاحتلال العودة إلى القرار 1701، بعدما كان المدخل لوقف النار على جبهة لبنان هو وقفها على جبهة غزة، والمقاومة في لبنان أنها إذا نجحت بالصمود وخرجت منتصرة من هذه الحرب فرض العودة إلى القرار 1701 على كيان الاحتلال، فإنّها تكون قد حققت هدفين، الأول إلحاق هزيمة عسكرية بجيش الاحتلال تُجبره على القبول بوقف إطلاق النار بدون شروطه المعلنة بالقضاء على المقاومة والوصول إلى نهر الليطاني، والثاني بإلزام الاحتلال بوقف حربه على جبهة بخطورة جبهة لبنان وفق إطار قانونيّ وأمني يتضمن الاعتراف بالعودة الى التساكن مع قوة مقاومة مسلحة ومقتدرة على الحدود، بعدما كان ككل مبرر حرب غزة ولاحقاً لبنان، هو استحالة هذا التساكن، ولأن استنزاف الاحتلال إلى حد يجبره على الرضوخ لشروط غير شروطه يعني إضعاف قدرته وإرادته وروحه للمضي قدماً في حرب غزة، ولأن القبول بالتساكن مع المقاومة المقتدرة على الحدود مع لبنان يشكل تسجيلاً لسابقة تمهّد للقبول بمثلها على جبهة غزة، كانت قناعة المقاومة في لبنان أن خوض الحرب تحت عنوانها الجديد هو شكل جديد من أشكال حرب الإسناد للمقاومة في غزة.
– استمرّت الحرب على غزة، بينما تمّ إعلان وقف إطلاق النار على جبهة لبنان، والتداعيات تحتاج وقتها لتظهر نتائجها، لكن الوقت حمل تطوراً دراماتيكياً في سورية، جاء بمثابة زلزال أصاب المنطقة، وكانت هزاته الارتدادية تصيب قوى المقاومة، فتوحي بتلقي المقاومة في لبنان ضربة استراتيجيّة، وتفتح الباب في العراق على البحث بكيفية تجنّب التداعيات السورية، وفي المقدمة الطلب إلى قوى المقاومة وقف عملياتها على كيان الاحتلال تفادياً للضغط الأميركي الذي لا يستطيع العراق تحمله، واستعداداً لاحتمالات استنهاض التطورات السورية لمزيد من مخاطر عودة تنظيم داعش، كما صرّح العديد من القادة العراقيين، وبدا أن المقاومة العراقية خرجت من المشهد أو هي تكاد تخرج.
– في هذه اللحظة الحرجة شهدنا تصعيداً مزدوجاً في جبهتي غزة واليمن، حيث يستطيع أي مراقب ملاحظة ارتفاع وتيرة العمليات في جبهات غزة كماً ونوعاً، وبتنا نشهد كل يوم عدداً من العمليات يتراوح بين خمس وست عمليات، ثم باتت نوعية العمليات تختلف، سواء الاستهدافات المركبة للآليات العسكرية، بحيث في كل عملية استهداف أكثر من آلية، او باستهداف مكثف ومتعدد الأنواع لجنود الاحتلال وضباطه، فعلى سبيل المثال خلال اليومين الماضيين أعلنت فصائل المقاومة عن اثنتي عشرة عملية، منها عمليات قصف مدفعي وصاروخي، وعمليات استهداف دبابتين وجرافة، ومنها اشتباكات من مسافة صفر مع ستة جنود، وعملية قنص جنديّ، ومنها عملية نوعية تمثلت بطعن عدة جنود من قبل مقاوم واحد والاستيلاء على أسلحتهم، وعملية استشهادية عبر تفجير أحد المقاومين جسده بواسطة حزام ناسف بين عدد من جنود الاحتلال وآلياته بعدما تنكّر بلباس جنديّ من جنود الاحتلال.
– دخل اليمن بثقله على خط الإسناد لغزة، فصرنا كل يوم على موعد مع حدث كبير من صناعة يمنية، مرة عدة طائرات مسيرة نحو ميناء ايلات، ومرة صاروخ أو اثنين من النوع الفرط صوتي نحو تل أبيب، ومرة عملية مركبة تستهدف سفناً أميركية حربية في البحر الأحمر. و في اليومين الماضيين شهدنا ماذا فعلت الصواريخ اليمنية الفرط صوتية بعمق الكيان، كما شهدنا العملية النوعية لليمن التي استهدفت حاملات الطائرات والسفن الحربية، بواسطة سبعة عشر صاروخاً مجنحاً وثماني طائرات مسيرة، ما تسبب بارتباك ناري في داء القوات الأميركية انتهى بإسقاط طائرة أميركية حربية من طراز اف 18.
– ما حدث على جبهتي غزة واليمن أعاد الحياة لمفهوم وحدة الساحات وكشف عن أهميته، لأن وحدة الساحات ليست فقط بالسعي لوحدة كل الساحات، بل هي أيضاً بتعويض الساحات للزخم الذي تفتقده المقاومة لخروج ساحات من المواجهة تحت ضغط ظروف الحرب وتداعياتها.

ناصر قنديل