بقلم: [أد. نجيبة مطهر عضو الأمانة العامة لمنتدى سيف القدس ]

يشهد الشرق الأوسط في المرحلة الراهنة تصاعدًا غير مسبوق في التوترات الأمنية والسياسية، وسط صراعٍ محتدم حول مستقبل سلاح المقاومة في لبنان والعراق، في ظل تدخلات إقليمية ودولية متشابكة. فبين من يرى في هذا السلاح ضمانة للسيادة، ومن يعتبره تهديدًا للاستقرار، تدور معركة حاسمة قد ترسم ملامح النظام الإقليمي القادم.

سلاح المقاومة… سردية متجذّرة وواقع مفروض

تاريخيًا، لم يكن السلاح الذي تمتلكه فصائل المقاومة في لبنان والعراق مجرد أدوات قتال، بل هو ثمرة مسار طويل من المواجهات والتضحيات. فحزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، لعبا دورًا محوريًا في التصدي للاحتلالات والإرهاب، خصوصًا في مواجهة تنظيم “داعش”، بما أعاد تشكيل ميزان القوى داخل المنطقة.

هذا السلاح، بالنسبة إلى داعميه، ليس ورقة محلية فحسب، بل عنصر ردع استراتيجي في وجه التهديدات الإسرائيلية والأميركية. غير أن هذه المعادلة باتت اليوم تحت المجهر، مع تزايد الضغوط الأميركية والإسرائيلية لنزع سلاح المقاومة، وتكثيف الخطاب الداعي لإعادة رسم التوازنات داخل العراق ولبنان.

العراق ولبنان تحت المجهر الدولي

في العراق، برزت مواقف أميركية وبريطانية تنتقد علنًا تنظيمات الحشد الشعبي، وتطالب بإعادة هيكلته وتقليص نفوذه. هذه التصريحات أثارت استياءً واسعًا، واعتُبرت تدخلاً سافرًا في الشأن العراقي، وضربًا لمبدأ السيادة الوطنية.

أما في لبنان، فقد تزايدت المطالب الغربية، بدعم إسرائيلي، لحصر السلاح بيد الدولة، وهو ما يُنظر إليه داخليًا كاستهداف مباشر لحزب الله ودوره في الردع. وفي المقابل، تواصل إسرائيل خرقها اليومي للأجواء اللبنانية، وسط صمت دولي مريب، يعكس ازدواجية المعايير.

ووسط هذا السياق المحتدم، جاءت زيارة الدكتور علي لاريجاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، إلى العراق ولبنان، لتؤكد على تضامن طهران مع حركات المقاومة، ورفضها المطلق لأي محاولة لنزع سلاحها.

في لقاءاته مع القادة العراقيين واللبنانيين، شدد لاريجاني على أن إيران لا تملي على أحد، لكنها تعتبر أن المقاومة ليست طائفية، بل مشروع جامع تتشارك فيه مختلف المكونات، بما فيها المسيحيون في لبنان. وقد ذكّر بأن دعم طهران لحماس، وهي حركة مقاومة سنية، يثبت أن موقف إيران لا ينبني على أساس مذهبي.

كما أكّد أن المقاومة هي رأس مال استراتيجي للمنطقة، ولا يمكن الاستغناء عنها في ظل العدوانات الإسرائيلية المتواصلة. واعتبر أن مطالبة واشنطن وتل أبيب بنزع سلاح المقاومة، في الوقت الذي يستمر فيه تسليح إسرائيل بـ3.8 مليار دولار سنويًا، هي قمة النفاق السياسي.

وفي مقابل الدعوات الغربية لنزع السلاح، تقدم طهران سرديتها المختلفة: الاستقرار لا يتحقق بانتزاع أدوات الدفاع من الشعوب، بل بوقف الانتهاكات واحترام السيادة. هذا الطرح يجد صداه لدى فئات واسعة من شعوب المنطقة، خصوصًا في ظل غياب أي ضمانات حقيقية للسلام من قبل القوى الدولية.

ويأتي تعزيز العلاقات الإيرانية مع روسيا والصين ضمن محور استراتيجي لموازنة الهيمنة الأميركية، وسط تنامي الحديث عن نظام عالمي متعدد الأقطاب.

و التحدي القائم اليوم لا يتمحور فقط حول سلاح المقاومة كأداة مادية، بل حول هوية المنطقة، ومعنى السيادة، ومشروعية الردع في زمن الهيمنة.

ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه بقوة:
هل تدرك القوى الدولية أن اللعب بورقة سلاح المقاومة قد يفتح أبواب أزمات أوسع؟ أم أن المخطط يمضي قدمًا لإعادة رسم خرائط النفوذ ولو على حساب دماء جديدة؟

خاتمة: 

في هذا المشهد المتداخل، تبدو شعوب المنطقة أمام لحظة مفصلية. إما التمسك بإرادة الدفاع وكرامة القرار الوطني، أو الانجرار إلى فوضى جديدة تعيد تكرار الكوارث السابقة. ومع كل تصريح غربي عن “نزع السلاح”، تتعزز القناعة أن الاستقرار لا يُستورد، بل يُصنع بإرادة محلية تُحترم فيها التضحيات ويُصان فيها الكرامة

By adam