د. جمال زهران
امتداداَ لمقالي السابق، بعنوان: “نتنياهو يشعل الحرب الكبرى”، أشرت إلى أن الكيان الصهيوني، هو الذي يشعل الحرب الكبرى، ويتخذ من الإجراءات ما يؤدي إلى التصعيد نحو الحرب الشاملة في الإقليم كله، لدرجة أنه يصعب معه، التنبؤ بما يمكن أن يحدث، والنظم السياسية (عربية وشرق أوسطية) في حالة ترقب للقادم، الذي على ما يبدو قد خرجت الأمور عن المسارات تحت السيطرة. ولا يزال – وعلى مدار عام كامل – منذ اندلاع عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر 2023م، يصر النتن/ياهو، رئيس عصابة الحكم في الكيان الصهيوني، على أن يكون هو الفاعل الرئيسي الظاهر أمام العيان، وينظر إلى الجميع من حوله، أو آخرين، أنهم مفعول به، ويبعث برسالة للجميع أنه صاحب اليد الطولى، وعلى الجميع أن ينصاع له، ولإرادته، ولمشيئته، متجاهلاً ما حدث للكيان في السادس من أكتوبر 1973م، وذكراها الـ (51) في الأفق!! ومما انتهجه النتن/ياهو، من جرائم، سياسة” الاغتيالات”، للقيادات الكبرى، ولم يكتفي بالصفوف التالية والمساعدة، بل انتهج خيار اغتيال قيادات الصف الأول، متجاهلاً بذلك، تداعيات ذلك، الأمر الذي يصب في حتمية اشتعال الحرب الكبرى والشاملة، وهو ما أشرنا إليه من قبل.
ولعل آخر الاغتيالات الهامة، هو اغتيال السيد/ حسن نصر الله (الأمين العام لحزب الله)، وهو الرجل الأول في حزب الله، يوم 28 سبتمبر 2024م، (وهو ذات يوم رحيل الزعيم جمال عبد الناصر!!)، وهو الأمر الذي يفضي بطبيعة الحال إلى تصعيد حتمي في الإقليم. وقد أدى بالإعلان عن استشهاد نصر الله، بعد عملية إجرامية، استخدمت فيها نحو (100) طن متفجرات، واستخدام طائرات ثلاث تحمل هذه الكمية ومعها صواريخ قادرة على النفاذ في أدوار تحت الأرض، وهي الطائرات الأمريكية (F35, F16, F15)، إلى حشد شعبي لبناني من كل الفئات أو أغلبها حول المقاومة بقيادة حزب الله. وفرض السؤال نفسه، وهو: هل سيقبل حزب الله، وقياداته، بهذه الجريمة؟! المؤكد أنهم لن يقبلوا، وبدأ التصعيد كما نتابع، وصواريخ المقاومة اللبنانية لم ولن تتوقف ووصلت إلى مساحة ضخمة من أرض فلسطين المحتلة، وإلى مدى يصل إلى (120) ك.م، بعد أن كان لا يتجاوز (20) ك.م!! ثم بدأ التهديد الصهيوني والحشد العسكري لاقتحام الحدود اللبنانية وتكرار سيناريو 2006م، إلا أن الشيخ/ نعيم قاسم (نائب الأمين العام)، قال في كلمة رسمية بعد إعلان استشهاد السيد/ حسن، أنهم جاهزون لمجابهة جيش الكيان الذي يهدد بالاقتحام البري، وهو الحادث الآن. ومن ثم فإنه قد ثبت أن النتن/ياهو، هو الذي يقوم بالتصعيد، ولا يرغب في استقرار الإقليم، ويتلاعب بجميع الأطراف الإقليمية، في إعاقته للتوصل إلى اتفاق هدنة، لأنه يرفض الانسحاب من غزة، ويرفض الوقف النهائي، للحرب على غزة، ولا يقبل بغير تبادل الأسرى كصفقة، ليواصل جريمته العدوانية، وتصرفاته الإجرامية في حق الشعب الفلسطيني، والآن في حق الشعب اللبناني، وذلك باستمرار سياسة الاغتيالات التي لم تتوقف حتى الآن، ومنذ اغتيال السيد/ إسماعيل هنية في طهران في 31 يوليو الماضي، وتبعه اغتيال قيادات حرس الثورة في القنصلية الإيرانية في دمشق، ثم اغتيال القائد الحاج/ فؤاد شكر، ومعه ثلة من القيادات الكبرى في حزب الله. ويتصور النتن/ياهو، أنه بهذه الجرائم المدعومة أمريكياً بشكل مباشر (سلاح – مخابرات – تمويل – دعم سياسي)، بالإضافة إلى الحشد العالمي بالقيادة الأمريكية، سيفلت من العقاب، وأنه بذلك يضعف حزب الله، والمقاومة الفلسطينية، ويضرب عمودها الفقري. وهو ما لم يحدث ولن يحدث، والمقاومة في ازدياد، قوة وعتاداً، ولعل المواجهة الحالية على الحدود اللبنانية خير تأكيد لما نقول. فالخسائر البشرية خلال الأيام الخمسة الأولى من محاولة التدخل البري نحو (100 قتيل + 300 مصاب) لدى الصهاينة، كبيرة، والخسائر المادية في العتاد والمعدات، كبيرة أيضاً، للغاية، وبصورة غير مسبوقة، ويبدو أن الصهاينة لا يتعلمون، من هزمتهم أمام حزب الله في مايو 2000م، وفي يوليو 2006م!!، وتلك هي الواقعة الثالثة، ستنتهي بنصر كبير للمقاومة.
وفي هذا السياق، فقد قامت إيران بالرد على اغتيال السيد/ هنية، والسيد/ نصر الله، ونائب رئيس الحرس الثوري (فيلق القدس) الذي كان بصحبة السيد/ حسن، أثناء الهجوم الصهيوني على مقر السيد بالضاحية، ووجهت ضربة إلى الكيان الصهيوني، بعدد يتراوح بين (300 – 400) صاروخ فرط الصوت، ودمر قواعد عسكرية ومطارات، ودمر طائرات (اف/35) نحو 20 طائرة، إلا أنه يبقى أن التصعيد مستمر، بسبب سياسات النتن/ياهو، المدعوم أمريكياً، حماية للكيان، واستمراراً للنفوذ الأمريكي الاستعماري، والسيطرة على الإقليم ونهب موارده!!
وختاماً: فإن التصعيد مستمر، واتساع الحرب مؤكد، والأفق متسع لكل ما هو محتمل، وغير محتمل.
القاهرة في السبت 5/ أكتوبر 2024م
د. جمال زهران