تحت ستارة دخانية كثيفة من تسريبات عن تباينات إيرانية سورية روسية، وعن عروض مغرية لسورية لفك علاقتها بالمقاومة ومحورها ، وتصويرها لاهثةً وراء الخليج والتفريط بالجولان، لم تسعَ سورية لتبديدها، و ذلك لانشغالها في أمور أكثر أهمية، فقد أنجزت في السنوات الأخيرة سلسلة من الخطوات التأسيسية النوعية في إعادة هيكلة الدولة ومؤسساتها والبيئتين الاجتماعية والاقتصادية وتوازناتها ، تأهيلًا لها لتعبر سريعًا وبكفاءة إلى حقبة احتواء الأزمة والنهوض والعودة النوعية إلى دورها كلاعب أول عربي وإقليمي، قادرة على الاستثمار بالفرص ومتهيئة للعب دورها الذي قررته الجغرافيا والأزمنة ،فمن يخوض حربًا عالمية عظمى وينتصر فيها يكتب التاريخَ ويقود في المستقبل.
بينما الكل منشغلٌ بالحرب الجارية والكثير يلوم سورية على دورها رغم أنها تساهم مساهمةً نوعية في الحرب تديرها بصمت وهدوء أعصاب ومعرفة بالجاري وأهميته وقد شرحها الرئيس في إطلالته، وسورية برغم خطورة الحرب ودورها المحوري فيها أكملت انشغالها في إعادة ترتيب بنيتها ومجتمعها وهيكلة مؤسساتها تأسيسًا لما سيكون لها من دور ومكانة.
فقد أنجز الرئيس في السنوات الأخيرة؛
– استطاع شطب وتهميش الجماعات الاقتصادية التي أمسكت بعنق الاقتصاد وولَّدت الفساد والإفساد وتركزت الثروات بيدها وقيَّدت قدرات سورية الاقتصادية.
وأمَّن استعادة حقوق الدولة بسلاسة ويسر وعبر القضاء والإدارة وبأقل قدر من الشوشرة والمتاعب وأكمل الحملة حتى على الصغار والكومبرس وقد غابوا عن الشاشات والساحة وانهارت امبراطورياتهم دون مقاومة تذكر، ما يؤكد قدرات وتحكم الرئيس ومتابعاته اللصيقة ومعرفته التفصيلية بما هو جارٍ.
– أعاد هيكلة الأجهزة الأمنية ووظيفتها وتقيد دورها وتدخلاتها .
– المؤسسة العسكرية تحت النظر والاهتمام الشديد فقد كانت وتبقى حصن حصون سورية وحاميتها التي لا مجال للعبث بها أو معها ولا بدائل أو ردائف لها ، ولا شركاء في السيادة والأمن سواء أكانوا أقربين أو بعيدين.
– حاول في الحزب وراهن على الانتخابات وتطوير هيكليات الحزب ودوره. وعندما حانت الساعة ضرب ضربته وأطاح بالقيادة التاريخية واستبدلها بقيادة وقادة مشهود لهم وقرر بوعي استثنائي إعادة صياغة العلاقة بين الحزب والحكومة وتعريف الدور القيادي والرقابي للحزب وحرره وحرر الدولة من التشابك الذي استفادت منه مجموعات الفساد والهدر.
– سعى جهده لإنتاج مجلس شعب من طابع جديد بأشخاصه وكتله وتمثيله.
– وفاجاأ الجميع بتسمية وتكليف رئيس حكومة من خارج الصندوق مشهود له بقدراته وأخلاقه وكفاءاته ومهنيته وتجربته.
– والمنطقي أن تأتي الحكومة على شاكلة الرئيس المكلف من مهارات ونظافة كف وعلم وخبرة، والأرجح أن تشكَّل حكومة من كفاءات ومن وجوه شابة وجديدة وبذلك يكون الرئيس قد أمَّن بيئة مناسبة لإطلاق عهده وترجمة رؤيته ووعده وقد حالت التطورات والظروف واستهداف سورية من تأخير عهده ووضع رؤيته موضع التنفيذ لأربعٍ وعشرين سنة، فمنذ ساعة توليه الرئاسة تكالبت الظروف والتطورات والمؤامرات واستُهدِفت سورية فأُجِّل اختبار مشروعه ورؤيته ليبدأ عهده بعد أربع و عشرين سنة من إدارة الأزمات وقيادة سورية في بحر مضطرب وعاصف للعبور بها إلى شطِّ الأمان.
وباتت الظروف والمعطيات موفورة ليبدأ عهده ويضع رؤيته ومشروعه موضع التطبيق والنهوض بسورية وتمكينها من بلوغ الريادة.
– خطوتان ضروريتان بإنجازهما تكتمل أركان حركته التصحيحية وتتأهل سورية لاحتواء الأزمة والنهوض وتتأهب لتلعب دورًا أساسيًا في إدارة العرب والإقليم في حقبة إعادة التشكُّل والنهوض بعد أن أوفت بوعدها وقاتلت لخمسة عقود ولم تلِن ،و لم تهن ، و لم ترفع الراية البيضاء أو تساوم على قيمها والتزاماتها ومبادئها.
الخطوة الأولى؛ والمؤكد أنها لن تغيب عن باله تنجز بإعادة صياغة العلاقة بين المجتمع وتلاوينه والدولة والمؤسسات فبدل أن تتمثل الكتل والأطياف في الحكومة وهي سلطة تنفيذية وتتحول إلى ميدان صراع وتناتش بين الوزراء وتعطيل متبادل يعطل كل الخطط والتوجهات، بات من الضروري أن تكون الحكومة ولاسيما فريقها الاقتصادي الاجتماعي مهني مختبر ومجرب وان يعمل وزراؤها بروح الفريق وبسعي التكامل والتفاعل لإنجاز الخطط والتوجيهات بروح جماعية مبادرة.
أما تمثيل الأطياف والكتل الوطنية والاجتماعية فمكانها مجلس الشعب والمجالس التمثيلية والاستشارية والمطلوب ابتداع وتشكيل العديد منها لتأمين تفاعل واحتواء التنوع الكبير والخلاق لسورية ومستقبلها.
الخطوة الثانية؛ وهي بمثابة الثورة الإدارية المطلوب إنجازها وبالسرعة الكلية.
فبعد تحرير الحكومة والدولة من أعباء الدعم السلعي و بيئة الفساد والهدر والإفساد بات ملحًّا تحريرها من أعباء وأثقال التضخم الوظيفي المفرط ومن الكتلة الهائلة من البطالة المقنعة.
في سورية ما يقارب ٢ مليون موظف ومتعاقد مع الدولة ومؤسساتها المدنية وهذا العدد كبير جدًا وباهظ الكلفة على المجتمع والموازنات ويشكل عبئًا ريعا على الموازنات والاقتصاد.
بينما مساحة سورية وعدد سكانها ومستوى الدخل القومي القائم وبنيتها الاقتصادية الاجتماعية تحتاج لدولة رشيقة فاعلة منتجة .
ومن الجدير بحثه أن ٣٠٠ ألف موظف شاب نشط متعلم يجيد استخدام التقانة والشبكات ومكننة الدولة ومؤسساتها وخدماتها تكفي وتفيض في واقع التحولات الهيكلية العالمية في مفاهيم وطبائع الإدارة وأشكالها وفي وظائف الدولة ومهامها فالحاجة والضرورة تحتم تقليص الوظيفة العامة بحيث يتم تحويل الفائض إلى التقاعد المبكر وإلى وزارة الشؤون الاجتماعية لتدفع كامل أصول الرواتب دون إلزام بالدوام.
وبهذا الإجراء يحفظ حق المواطنين السوريين المتعاملين مع الدولة وبذات الوقت يحرر الدولة والاقتصاد والموازنات من أعباء باهظة ويحرر كتلة هائلة من الأبنية ويشطب أكلاف إدارية وتشغيلية .
إن إعادة هيكلة الدولة والمؤسسات ومكننتها وعصرنتها وتعريف دورها ووظيفتها يجعل منها ديناميكية فاعلة قائدة منتجة تلعب دورًا إرشاديًا وتوجيهيًا في الحياة الاقتصادية الإنتاجية.
دولة رشيقة منتجة وتحويل الفائض إلى المعاش تسهم في تلبية حاجات الدورة الاقتصادية من اليد العاملة وتحرر المدن الكبيرة من أزماتها وتشجع العودة إلى الريف والاشتغال بالزراعة وإنتاج الثروة الحيوانية وتعظيم الاقتصاد التقليدي والإنتاجي وتعيد صياغة الكتلة الأساسية من المجتمع والقوة العاملة وتجعلها قوة إنتاجية بدل أن تكون استهلاكية وريعية وعبء على المجتمع.
وقد انتفت مكاسب الوظيفة العامة مع انهيار الرواتب وعجز الدولة عن رفع الأجور وتراجعت الصفة الاجتماعية والمكانة للوظيفة العامة.
هما خطوتان متممتان لما بدأه وأنجزه بهدوء وسلاسة الرئيس الأسد بفطنة و رؤية استراتيجية ، وتوفرت البيئات والشروط لإقلاع برنامج النهوض ومعالجة آثار الحرب وتمتين الوحدة الوطنية والاجتماعية وتلبية حاجات السوريين ولاسيما شبكات الأمان الاجتماعي التي فقدوها وفي أولها الكهرباء والانترنت والمواصلات وفرص العمل وتصحيح الأجور لتتناسب مع الأرباح والأسعار.
إن حكومة منسجمة جلها من الشباب أصحاب الكفاءة والخبرة تعمل كماكينة منسجمة ومتكاملة ومتفاعلة فرصة سورية لاحتواء أزمتها والتمكن من فرصتها لتعود لاعبًا محوريًا وأساس في إعادة هيكلة العرب والإقليم جغرافية ونظم ، وانتزاع المكانة والدور.
١٧/ ٩/ ٢٠٢٤
ميخائيل عوض – بيروت