بشكل عام يتم تداول عدة وجهات نظر بخصوص الموقف الأمريكي من الحرب في إقليم غرب آسيا وتوسعتها، وجميعها تدور في فلك واحد من المعادلات الرئيسية التالية:
وجهة النظر الأولى: الولايات المتحدة لا تريد توسيعاً للحرب، وهي تضغط على الكيان بأدوات ناعمة لردعه عن توسيع الحرب، أو الولايات المتحدة لا تريد توسيع الحرب ولا تضغط على الكيان لردعه.
وجهة النظر الثانية: الكيان يرغب بتوسيع الحرب ويحاول جر الولايات المتحدة لساحة المعركة، أو الكيان يرغب في توسيع الحرب بشرط ضمان مشاركة الولايات المتحدة فيها، أو الكيان يرغب في توسيع الحرب حتى لو لم تشارك الولايات المتحدة فيها.
وجهة النظر الثالثة: الولايات المتحدة والكيان لا يرغبان في توسيع الحرب.
وجهة النظر الرابعة: الولايات المتحدة والكيان يرغبان في توسيع الحرب والمشاركة فيها معاً.
باعتقادي أنّ وجهات النظر المعروضة أعلاه تغفل المبادئ الرئيسية التالية:
أولاً: الكيان من ناحية علاقته بالولايات المتحدة ليس دولة مستقلة تبني توجهاتها وخططها وخطواتها بما يخدم مصالحها القومية والاستراتيجية، بل هو دولة وظيفية تلتزم بتنفيذ مهام وأهداف الولايات المتحدة مقابل أن توفّر الولايات المتحدة الدعم اللامحدود للكيان وعلى كل الأصعدة.
ثانياً: حفاظ الولايات المتحدة الأمريكية على مصالحها الاستراتيجية في إقليم غرب آسيا هو قضية وجودية بالنسبة لها، وبدونها تفقد الولايات المتحدة طبيعتها الإمبريالية الإمبراطورية، إذ أنّ خسارتها لمصالحها هنا يعني بالضرورة خسارتها على جبهاتها الأخرى أمام روسيا وأمام الصين.
ثالثاً: في المنظور الحالي من المستحيل للولايات المتحدة أن تحمي مصالحها في المنطقة بدون الحفاظ على “إسرائيل” قوية ورادعة ومهيمنة، بالتالي ما يعتبر بالنسبة للكيان حرباً وجوديةً هو بالنسبة للولايات المتحدة وطبيعتها الإمبريالية الإمبراطورية حرب وجوديّة.
رابعاً: تقدم وتطوّر قوى المحور لا يكون إلّا على حساب تقهقر قوّة وهيمنة الكيان والتي تؤدي إلى تراجع الهيمنة الأمريكية في المنطقة والعالم، أو على حساب تقهقر قوّة وهيمنة الولايات المتحدة في المنطقة والتي تعني بالضرورة خسارة الكيان لركيزة أمنه وردعه الرئيسية والاستراتيجية وهي الولايات المتحدة أو بلغة أدق الوجود العسكري والأمني الأمريكي في المنطقة.
خامساً: تعزيز قوّة وردع الكيان يعني بالضرورة كبح تطوّر قوى المحور ولجمها، وكلاهما أمر واحد والعكس صحيح.
بقراءة هذه المبادئ نستنتج ببساطة أنّ الولايات المتحدة والكيان يخوضان حرباً وجودية ضد قوى المحور، وأنّ كلاهما سيضع كل ثقله الأمني والعسكري ومقدراته في هذه المعركة، فهل هذا الاستنتاج صحيح؟
هذا الاستنتاج صحيح وخاطئ معاً وفي نفس الوقت، كيف ذلك؟
مفتاح الجواب يبدأ في فهم طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والكيان، والدور الوظيفي للكيان باعتباره مشروعاً – وأرى أنّ مصطلح مشروع أدق من مصطلح كيان لوصف المشروع الصهيوني – ومن وظائف الكيان التاريخية والتي اعتبرت ركيزة لتأسيسه في عقد غير مكتوب بينه وبين المراكز الإمبريالية العالمية؛ أن يكون مسؤولاً عن التعاطي المباشر مع التهديدات والمخاطر التي قد تهدد وجوده وبالتالي مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، أو تهدد مصالح الولايات المتحدة وبالتالي وجوده.
ولكن، ألم تشارك الولايات المتحدة الأمريكية سابقاً في معارك مباشرة بجيشها وعسكرها في هذه المنطقة؟
بلى شاركت في السابق، ولكنّها (بتقديرنا) لا تستطيع المشاركة العسكرية المباشرة في هذه المعركة أو هذه المرحلة، بسبب المحددات/المقيدات التالية:
- غياب الجاهزية العسكرية والمعنوية والإيمان بأهداف الحرب عند الجيش الأمريكي.
- وضع الولايات المتحدة الاقتصادي المترنح منذ عام 2008 دون حلول جذرية، بل وفي انحدار مستمر.
- وجود معارضة واحتجاجات داخلية عالية الوتيرة ترفض الدعم الأمريكي اللا محدود للمشروع الصهيوني، ما يعني أنّ هذه الاحتجاجات ستشهد تصاعداً نوعياً وكمياً في حال المشاركة الأمريكية المباشرة في المعركة.
- إرسال قوة عسكرية كبيرة إلى منطقة غرب آسيا يعني انكشاف أمن وردع الولايات المتحدة على الجبهات الأخرى وخاصّة في منطقة الهادئ-الهندي مع الصين.
إذن ستكون مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية في هذه الحرب (طوفان الأقصى) في الحدود التالية:
- الاستمرار في الدعم الواسع للمشروع الصهيوني وعلى كل الأصعدة.
- الاستمرار في المشاركة في الدفاع عن المشروع الصهيوني ضد هجمات الجبهات غير الحدودية مع الكيان.
- الاستمرار في الجهد الدبلوماسي الحربي لأهداف مختلفة منها فك ترابط جبهات المحور وتحشيد أتباع الولايات المتحدة في المنطقة لدعم المشروع الصهيوني والتأثير سلباً على مقدرات المحور.
- التصدي المباشر لأي اعتداء يطال القواعد العسكرية الأمريكية أو الجنود والأفراد الأمريكيين في المنطقة.
وبشكل عام، وفي إطار هذا الطرح، فإنّ الولايات المتحدة تضغط على الكيان لتأدية دوره الوظيفي وهي التي تجرّه نحو تصعيد الحرب التي تهدف إلى إضعاف قدرات المحور وليس العكس، حتى لو كان ضريبة ذلك إزهاق أرواح آلاف اليهود الغزاة على أرض فلسطين التاريخية، وفي هذا المنظور مهم الانتباه أن التصريحات الرسمية الأمريكية لا تعتبر مادة موضوعية يمكن أخذها في التحليل والاستنتاج منها.
علي حمدالله – فلسطين