أنجز اليمن خطوة نوعية ثالثة هائلة الأهمية في تقرير مستقبل ومسارات الحرب، وبالأدق مستقبل إسرائيل وتقرير زمن نهاية وجودها في المنطقة.

بعد صبر واستعداد وتأكيد أسبوعي من القائد الحوثي على الرد – على وقع تظاهرات مليونية – وعلى المرحلة الخامسة من إسناد غزة وبلا مقدمات، بلغ صاروخ يمني تل أبيب قاطعاً ٢٠٤٠ كلم ومتخفياً عن رادارات وقواعد وأساطيل أمريكا وحلفها وقواعدها، وتخطى قدرات إسرائيل واعتراضاتها وادعاءاتها وكل أسلحتها وأسقط كذبة تفوقها وتمكنها.

بعد مسيرة يافا جاء الصاروخ الفرط صوتي، وقبلهما تحرير البحار من الهيمنة الأنجلو سكسونية، والاشتباك مع أمريكا والأطلسي وإثبات عجزهم.

فكل واحدة من الثلاثة تمثل نقلة نوعية وحدثاً فرط استراتيجي، وتؤسس منفردة ومجتمعة لتوازنات جديدة في العرب والإقليم، وفي صياغة مستقبل الكيانات والنظم والقوة المهيمنة.

الصاروخ توقيتاً واستهدافاً وإعلاناً يشكل فاتحة تحولات وأحداث تتسارع لتفرض تغيرات جوهرية وربما عاصفة تجبّ ما قبلها.

فقد نجح اليمن وضرب تل أبيب في ذكرى المولد النبوي، بعد أن ضربت مسيرات المقاومة اللبنانية عقل وعصب الأمن والحرب في أربعين الإمام الحسين، وفي ضاحية تل أبيب.

تل أبيب تحت صليات جبهات الإسناد من أقصى أقاصي الجنوب ومن أقرب نقاط الشمال، وهذه بذاتها حدث وواقعة هامة ومؤسِّسة، فماذا لو سقط صاروخ أو مسيرة يومية في تل أبيب؟ كم تستمر الحرب وعنتريات نتنياهو وسيموتريتش؟

وبأي صاروخ أو مسيرة سيرد العراق، ناهيك عن الرد الإيراني النوعي الآتي حكماً.

أعلن اليمن أن الصاروخ هو في سياق الإسناد، وليس الرد الموعود والمنتظر، وأنه تدشين للمرحلة الخامسة التي أعلن عنها وطال انتظارها.

وللصاروخ اليمني علاقة بالحرب الأوكرانية وتطوراتها، ويمثل رداً وإنذاراً بالنار لأمريكا والأطلسي من بوتين كخطوة استباقية، وإشعار عملي لهم بأن تسليح أوكرانيا بصواريخ، والإجازة لها بقصف الأراضي الروسية سيؤدي إلى ردود في كل مكان، وستكون عاقبته تصفية القواعد والنفوذ الغربي في العرب والإقليم، وتالياً في العالم. فأول الغيث صاروخ يمني يضرب في عاصمة القاعدة الأساسية للغرب في العرب والشرق .

فالصاروخ فرط صوتي، والأسلحة الفرط صوتية متقدمة جداً، حتى أمريكا والأطلسي فشلوا في اختباراتها، ومن يملكها فقط روسيا والصين وإيران، وبات الحوثي والمؤكد العراقيون واللبنانيون والسوريون يملكونها، وهذه من عجائب الحروب والعلوم وصناعة الأسلحة. وإذا استعدنا تصريحات بوتين شخصياً، وإعلاناته المتكررة أن روسيا -رداً على تسليح أوكرانيا- قررت تسليح كل من يحارب أمريكا والأطلسي، نفهم قدرات الحوثيين والجبهات على امتلاك هذه الأنواع من الأسلحة، ونعرف أسباب اختبارها والتوقيت المناسب.

اليمن صدق وعده، وحول تل أبيب إلى مقصد مسيراته وصواريخه التي لا رادع لها، وأدخل الإسناد في المرحلة الخامسة، ويتمرن على الرد المؤلم لضرب الحديدة ولن يطول الزمن.

تل أبيب تحت الصليات وستتكثف وقد تصير يومية، ونتنياهو يعنتر ويهوّل على لبنان، وبوتين يفرك كفيه ويضحك بينما أمريكا متوترة ومأزومة في انتخاباتها المفصلية، بينما الغرب ودوله ونخبه في حالة أزمات وتخبط وضياع.

زمن العصف والزلازل والتحولات الكبرى قد دنا، والأيام الجارية من أيلول حتى تشرين حبلى بالتطورات والأحداث، وتتكثف مؤشرات وغيوم العاصفة .

سلمت الأيادي والعقول، فالحرب جارية على زمن المحور واستراتيجياته، ومازالت تحت سيطرته، وجبهات الإسناد فاعلة وتزيد، والوعود صادقة … والتطورات تشهد.

١٦/٩/٢٠٢٤

ميخائيل عوض – بيروت