العيد عيدان فيما قدمه يمن الشموخ والكرامة، وحق علينا اليوم كمؤيدين للمقاومة أن نحتفل بقوة وشجاعة اليمن في البحار وسماء فلسطين المحتلة. وبينما الغرب يعترف بقوة اليمن يستهين العرب به، وكم هناك من جاهل ومتآمر وتافه من العرب ينسبون قوة اليمن إلى علاقته بإيران، أو أنه ذراع لإيران أو وكيل لها. والعديد لا يدرك حقًا إلى أي مدى يعتبر أنصار الله – العرب – مقاتلين مستقلين لديهم شبكة واسعة من الحلفاء.
هذا ليس تقليلاً من شأن ومركزية الثورة الاسلامية في دعمها للجهات المقاومة أينما كانت ما دام شعارها فلسطين. بل إن فهمنا لليمن وإيماننا بقوتنا المخزونة أمر بغاية الأهمية للذهن العربي المنبطح، والذي يستند إلى من يذله ويقلل من شأنه ليشعر بالأمان والاستقرار. وهذا التناقض بحد ذاته؛ هوان ما دونه هوان، وغباء مطلق. لهذا يجب علينا فهم فضل الثورة الإسلامية في إيران على أمتنا بدعمها للمقاومة، وبالتوازن مع إيماننا بما نملكه من قوى.
لتقديم دليل يدعم تحليل قوة اليمن واستقلاليته، نجد تقريراً من معهد بروكينغز يذهب إلى أبعد من ذلك ويشير إلى أنه، حتى لو توقفت إيران عن تزويد اليمن بالأسلحة، فإن اليمن أثبت – حتى قبل هذه الحرب – أنه خصم مستقل وقوي. يقر التقرير أن اليمن ليس وكيلًا بناءً على التعريف الأساسي والاختلاف بين “الوكيل” و”الحليف” من حيث الاعتماد العسكري واتخاذ القرارات والمواقف الأيديولوجية. وبينما قد يعتقد البعض أن هذه مجرد لعبة ألفاظ، هناك الكثير من الأدلة العملية التي تشير إلى صحة هذا التمييز: إذ يجب أن يكون الوكيل قابلًا للتحكم به من قبل الراعي، ويعتمد عليه بشكل كبير في التسليح واتخاذ القرارات. ولا ينطبق أي من هذين الشرطين على اليمن، لأنه يمتلك قدرته الخاصة على تأمين الأجزاء للأسلحة من الصين، ويطور خطط تمويل مستقلة لشراء الأسلحة، مثل مبادرته مع روسيا. بناءً على ذلك، من المهم أن نفهم، كما يشير المقال، أن شبكة اليمن تتيح انتشارًا أسرع للأسلحة والخبرات. ولدى أنصار الله القدرة الكافية لتصنيع الأسلحة وتطويرها بشكل متقدم، وهو ما يؤكده التقرير بالقول إن “الحوثيين طوروا خبراتهم المستقلة في الأسلحة الجديدة، واستفادوا من كونهم مختبرين ميدانيًا بشكل لا يتوافر لإيران”. أنصار الله مستقلون عن إيران، بل لديهم خبرة قتالية لا تمتلكها الأطراف الأخرى في محور المقاومة. وفي هذا الصدد، ذكر التقرير أنه “من خلال حملة القصف الجوية الطويلة التي قادها التحالف بقيادة السعودية، اعتاد الحوثيون على حماية إمدادات أسلحتهم من الضربات الجوية”. وهذا يعني أنه في حين يتعاون أنصار الله مع حلفائهم في المحور، فإن قراراتهم المتعلقة بكيفية تنفيذ عملياتهم تعتمد على خبراتهم المتقدمة في المواجهات العسكرية.
لن يتوقف اليمن عن تجربته الفاعلة في البحر الأحمر، التي بحسب مؤشر درواري لأسعار شحن الحاويات، فقد “ارتفعت تكاليف شحن الحاويات ما يقارب أربعة أضعاف منذ بدء هجمات الحوثيين”، كما أن تكنولوجيا اليمن المتقدمة في استهداف وإغراق السفن قد أثبتت شجاعته وعبقريته الاستراتيجية. وهذا يعني أيضًا أن لليمن تأثيراً جيوسياسياً واستراتيجياً خاصاً به، يمكنه الحفاظ عليه خارج إطار دعم إيران.
يحذر التقرير من أن التقليل من شأن اليمن، وعدم فهم قوته الحقيقية وطبيعته هو خطأ فادح. ويؤكد التقرير مرارًا استقلال اليمن عن إيران، ويذهب إلى تفاصيل لتأكيد هذه النقطة بالقول إن “الحوثيين أكثر استعدادًا للتصعيد من إيران”، وأن العقوبات أو الهجمات العسكرية ليست رادعًا – بخلاف إيران وما يجب عليها مراعاته من عواقب. وزيادة على ما تقدم في التقرير أن أنصار الله يتمتعون بموقف أيديولوجي له دعم شعبي كبير، مما يمكنّه من اتخاذ قرارات بغض النظر عن العواقب والضغوط الداخلية.
ربما يكون أكثر الجوانب كشفًا لعظمة أنصار الله هو ما يشير إليه المقال عندما يقول إن “إيران ليست الحل لتهديدات الحوثي”، ويقدم دليلاً على ذلك مشيرًا إلى أن على إسرائيل أن تتعلم درسًا من تجربة السعودية التي اكتشفت أن “الحل لمشكلتهم مع الحوثيين لم يكن في طهران، بل في صنعاء”، وأن “الاتفاقية مع إيران لم تكن هي التي سمحت للسعودية بخفض التصعيد مع الحوثيين، بل كان اليمن هو السبب”. يحذر التقرير أنه “عندما يركز المحللون والمسؤولون على إيران في هجمات الحوثيين، فإنهم يسيئون فهم طبيعة الشبكة التي تطورت بين الحوثيين والجماعات الأخرى… مما يشكل تهديدًا أكبر وأكثر انتشارًا قد يتضمن أو لا يتضمن إيران”.
يومًا بعد يوم، يظهر اليمن قوته التي كان يمكن أن نلتف حولها ونتعافى من الهوان بمجراها. أمتنا تمتلك قوة هائلة تؤهلها أن تكون قوة كبيرة وفاعلة على الساحة الدولية. هذه ليست تمنيات، بل هي مدعومة بتحليل حديث في بحث روسي يسأل “ماذا لو اتحد العرب؟”، ويقتصر التحليل على الاتحاد الجيوستراتيجي والاقتصادي ومع هذا فإنه تحليل مذهل! ولكن من الصعب على النفسية العربية أن تتقبل هذه الصورة الموثوقة، لأنها غائبة عن الواقع، فهي لا ترى مدى ذلها بسبب خلل مفاهيم القوى. وينعكس هذا التشخيص بما نراه من تناقض من دعم الشعوب العربية لحركات المقاطعة من جهة وعدم انتفاضهم من جهة أخرى. مما يشير إلى أن النفسية العربية ضعيفة وغير متعافية…لم تكتسب الثقة في قدراتها وإمكانياتها. هذه النفسية التي تشهد بثًا مباشرًا لإسرائيل تحترق، والسفن تغرق، والصواريخ تنطلق، وقوة عظمى تهرب من البحار…لا تعي أن مصطلح “الأخطبوط الإيراني و أذرعه” خلق ليبقيها على ما هي عليه من عقد النقص. تلبس عباءة سايكس بيكو المطرزة بالهوان المصبوغ بالذهب المزيف. ثراء خاوٍ؛ بدلاً من استثماره لصنع السلاح صَنَع الانبطاح، وأتاح فرص التغلغل الخارجي، وعدم الاستقلالية بالقرارات الجيوستراتيجية.
ونحن نقف على أعتاب النظام العالمي الجديد، علينا أن نسأل أنفسنا: كيف ينظر لنا هذا العالم؟ وبأي صورة ندخل عليه؟ هل نتعافى ونتحرر من الجنون والعقد النفسية قبل الدخول ونجلس بهيبة المنتصر؟
أم ندخله كالحمقى… ندعي أننا لا نرى ما يرونه من دماء غزة ونزيف سوريا وهلاك السودان وتمزيق ليبيا وخراب العراق وعار مصر ووقاحة الإمارات وغرور السعودية وانعدام الأردن؟ فيتضح لهم تفاهتنا ويروا نفسية انهزامية تصرخ أنها لا تستحق الحرية لغبائها بالظن أن لا حول لها ولا قوة؟ أم ندخل بفخر إنجازات أنصار الله وحزب الله ومقاومي فلسطين الأبية وجهود العراق والسند الحصين في سوريا. إنجازات كشفت أكذوبة القرن وكشفوا نقاط ضعف المهيمن، وكتبوا مثالاً للحرية بُرهانها تجربة إنسانية لا مثيل لها من صمود لا يقهر، ودم سال ليوحي بقوة فريدة من نوعها.
العالم القديم انتهى ونحن في خضمّ العالم الجديد، وهو آت شئنا أم أبينا، وسندخله بإحدى هذه الصور … إما كالأسود أو كالغنم.