علَّمني حكيمٌ ما أنَّ الحقائقَ العظيمةَ والمُدهشة لا تقعُ في ظواهرِ الأمور.. بل هي تكمُنُ وراءَ اكتشافِ الأسئلة!!

ولكن يجدُرُ بنا أن نتفهَّمَ بأنَّ الحدثَ العظيمَ في ظاهرِه كفيلٌ بأن يكونَ وحدَه سبباً في حجبِ الشهيةِ عن اكتشافِ الأسئلةِ التي تُنقِّبُ عما وراءَ وخلفَ ما ظهر!، ومسيَّرةُ اليمنِ التي وصلت إلى عمق “تل أبيب” يافا في سابقةٍ في ملحمةِ طوفانِ الأقصى واحدةٌ من تلكَ الأحداثِ العظيمةِ التي يأخذُ ظاهرُها بتلابيبِ العقل، عقلِ العدوِّ والصديق على حدِّ سواء؛ فالعدوُّ بين تخبطاتِ الذلِّ والفشلِ والهزيمة، والصديق في نشوةِ الانتصارِ والفخرِ والاعتزاز!!

ولكن… كانت جدّتي تقول: “بتروح السَّكرة.. وتأتي الفكرة”!!

صحيحٌ أنَّ وصولَ المسيّرةِ المجيدةِ إلى عمقِ “عاصمةِ” الكيان يعبِّرُ بالتأكيد عن فشلِ أنظمةِ الدفاعِ والاستخباراتِ لدى حلفٍ طويلٍ عريضٍ متورِّمٍ بعقدةِ العظمة، ولكن…. سؤالٌ موضوعيٌّ بريء “حتى لو زعل البعض”:

لماذا لا تكون رحلةُ المسيَّرة التي استغرقت ساعاتٍ قد وصلت بتآمرٍ استخباريٍّ ضدَّ العدو زائد الفشل الدفاعيِّ والاستخباري؟!!.. ولماذا علينا أن نصدِّقَ مباشرةً بأنَّ دولاً عربيةً شاركت بالعدوانِ على اليمن على الأقل من خلالِ استباحةِ أجوائها لطيرانِ هذا العدوان فيمَ تُنكرُ هذه الدُّولُ ذلك أو يعلنُ بعضُها بألا علاقةَ له بسيرورةِ العدوان ويصرُّ إعلامُ العدوِّ على التأكيد بأنها كانت شريكاً فعلياً في الإمدادِ والتويدِ بالوقود؟!!.. ولماذا لا نقفُ قليلاً لنتأمَّلَ لهاثَ إعلامِ العدوِّ بالتأكيدِ على شراكةِ هذه الدولِ العربيةِ في العدوان ودعمِ الكيان؟!! ولماذا لا نفهمُ الكامنَ وراءَ هذا التحشيدِ الإعلاميِّ؟! من يستفيدُ منه ؟!. ما حقيقتُه؟!. وفي ذاتِ الوقتِ لا يخطرُ لنا بأنَّ تآمراً عربياً محموداً قد وقع استخبارياً ودفاعياً ضدَّ العدو.؟!

بالتأكيد لسنا بصددِ الدفاعِ أو تبرئةِ أي تخاذلٍ عن دعمِ أهلِنا في غزَة وعن اتخاذ موقفٍ واضحٍ من العدوِّ الذي يستبيحُ دماءنا.. ولكننا بالتأكيدِ معنيّونَ بقراءةِ الواقعِ وفهمِ كواليسِه وطرحِ كلِّ التساؤلاتِ التي توضحُه!

وهاهنا من حقِّ العقلِ أن يتساءل:

هل جرى تآمرٌ استخباريٌّ على الكيان من أجلِ وصولِ المسيّرةِ يافا إلى عمقِه مما حقّقَ إصابةً مباشرةً مباغتةً للكيان من دون حتى محاولة للتصدِّي لمسيرةٍ لم يعلمْ بها العدو إلا وهي فوق قَرنيه؟!.. ولماذا لا تكونُ الدُّولُ التي لم تتمكَن من منع الطيران الأمريكي البريطاني الإسرائيلي من العبور عبر أجوائها لضرب اليمن، لم تخبرِ العدوَّ عبر مراصدِها الدفاعية والجوية بعبورِ طيرانٍ مسيَّرٍ باتجاهه، مخالفةً ما تقتتضيهِ توقيعاتُ أبراهام إياها؟!.

وأيُّهما أوجعُ لحلفِ العدوُّ فشلُه الاستخباريُّ والدفاعي، أم التآمرُ عليه في ذلك؟!

هل يُستبعَدُ أن ذلكَ يجري وراءَ حرصِ هذه الدول على العلاقةِ مع إيرانَ وسورية بعد قطيعةٍ دامت لسنوات وبعد قراءةٍ دقيقةٍ في تغيِّرُ موازينِ القوى في العالم بعد خسارةِ أمريكا في حربِها ضدَّ سورية؟!.

وإذا كانت الدُّولُ إياها قد عارضتِ وتحدَّت الرغبةَ الأمريكية في العودة إلى سورية، فلماذا لا تفعلُ ذلك في حيثياتٍ عسكرية وسياسية واقتصادية أخرى وهي ترى أن هذا الحلف يتقازمُ شيئاً فشيئاً وقد تحوَّلَ إلى عبءٍ على كلِّ حلفائه بما فيهم أوروبا نفسُها؟!.

وهل يمكنُ أن يكونَ في هذه الدُّول اليوم من يقومُ بدورِ العسكريِّ “المنشق من الجيش العربي السوري” خلال سنوات الحرب على سورية، ووراءَ هذا المشهدِ كان في الحقيقةِ يؤدي مهاماً استخباريةً وعسكرية ووو لصالحِ وطنِه وضدَّ الخونةِ والعملاءِ والأعداء؟!..

أسئلةٌ مشروعةٌ من شأنِها أن تكتسبَ المنطقيةَ في ظلِّ انحسارِ قوةِ الطاغوتِ الأمريكي في العالم، وتعاظمِ قوةِ دولِ المحور مع حلفائهم؟!.

والحقائقُ العظيمةُ تكمنُ وراء اكتشافِ أكبرِ كمٍّ من الأسئلة… فحقاً:

كيف وصلت صواريخُ اليمن البالستية وغيرها وميسرةُ يافا إلى أهدافِها من دونِ أن يعلمَ بها الكيان إلى فوق رأسه؟!، يتساءلُ فضوليُّون وهم يتابعون الخارطة من اليمن إلى فلسطين المحتلة!!

رئيس التحرير

فاطمة جيرودية-دمشق