لأول مرة يجتمعون في مثل هذا اليوم، ولا بد أنهم قبل اجتماعهم كانوا قد أشاعوا الفكرة فيما بينهم، واتفقوا على الخطوط العريضة لفكرتهم، فلما اجتمعوا صدر قرارهم وبتّوا في أمرهم. وهذه لمحة عنهم قبل الحديث عن قرارهم:
الأول كان اسمه هرتزل، متهمٌ بمعاداة الساميّة لدعوته إلى خروج اليهود من بلادهم الأصلية في أوروبا، والانتقال إلى أرض فلسطين، تحت وعودٍ لا يجدها اليهود في كتبهم إلا حينما يعود المسيّا.
الثاني اسمه جابوتنسكي، صهيوني من أوكرانيا، مؤسس الفيلق الذي حارب إلى جانب بريطانيا، وكانت دعوته ألا يقتصر الاستعمار الصهيوني على فلسطين، بل يجب أن يتعداها.
الثالث، ماكس نورداو، طبيبٌ وكاتب صهيوني، أكد على أفكار جابوتنسكي وهرتزل، ولكنه آمن بالجانب السياسي أكثر، داعياً إلى أن يتم الاستعمار تحت غطاء سياسي وتوافق دولي.
أما الرابع، فهو الحاخام شموئيل موهليفر، وهو الذي قام بالجمع بين الفكرة الصهيونية وبين الدين، فقد كان لتلك الفكرة أن تُدمج بأي دين، فدمجها هذا الحاخام باليهودية، إذ أن الصهيونية كانت تعبر عن نفسها بأنها حركة تاريخية، لكن ليس بعد موهيفلر الذي جعل من احتلال فلسطين واجباً دينياً.
كان اجتماعهم وآخرين معهم في بازل في سويسرا في اليوم التاسع والعشرين من الشهر الثامن (آب) عام 1897. كان هؤلاء الأربعة، أبرز الحاضرين، وتداولوا فيما بينهم مجسم الصهيونية بأبعاده التاريخية والسياسية والدينية والاستعمارية، حتى برز لهم أثناء اجتماعهم معضلتان فلسطينيتان، معضلة القلم، ومعضلة السلاح. فأما القلم فإنه يرسم حدوداً غير الحدود التي رسموها، ويكتب أسماءً غير الأسماء التي وضعوها. بل وإن المعضلة الأكبر أن هذا القلم قد رسم ابن المخيم حافياً واقفاً غير مكترث بما يقولونه، وهو على استعدادٍ لقول الحقيقة أيما كانت. أما معضلة السلاح، فهو سلاحٌ موجه إليهم ضد المخطط الذي وضعوه، سلاحٌ يحيا بفكرة الرسام والقلم الخالد، فكيف لهذا السلاح أن يموت؟! فصدر القرار في بازل: اليوم اليوم، نقضي على ناجي العلي، ومحمود جابر أبو شجاع. في اليوم التاسع والعشرين من الشهر الثامن (آب) عام 1987م، ذات اليوم، فاضت روح ناجي العلي شهيدةً على قوة القلم، اغتاله مؤتمر بازل في محاولةٍ لمحو آثار قلم الرصاص الذي كان يرسم الحقيقة، ليحمل القلم ابن طولكرم، ولكن هذه المرة الكتابة مختلفة، والرصاص مختلف، ليسطر أبو شجاع سطراً جديداً لا ينمحي، ليقرأه هذا الجيل الناشئ الجديد الذي حاولت قوات بازل باحتلالها وتطبيعها أن تمحو ذاكرته، ولكن، كيف لهذا الجيل أن ينسى وقد كتب الرصاص ما كتب، ورسم الرسام ما رسم، فأبو شجاع لم يبلغ الثلاثين من عمره.
كان أبو شجاع يبلغ من العمر خمس سنواتٍ حينما انضم محمود عباس إلى اجتماع بازل ووقع اتفاقية أوسلو مع الكيان، فهل كانت أوسلو نقطةً مفصليةً في وعي الأجيال أم أنها فشلت في ذلك؟
كيف لأوسلو أن تكون شيئاً وروح ناجي العلي التي رسمت الحقيقة قد بُعثت في أبي شجاع؟! وكم من روح وروحٍ مناضلةٍ بُعثت ولم نعلمها بعد؟!
إلى روح ناجي العلي وأبي شجاع صلاةٌ مقاومةٌ تبعث الحياة على أرض فلسطين، كما نريد.
آدم السرطاوي – كندا