في حزيران، لا يتغيّر الطقس فقط، بل يتبدّل وجه الوطن.
في حزيران، لم يكن الخبر خبرًا، بل صرخة من قلب فلسطين حملت اسمًا واحدًا: نزار بنات.

لم يكن نزار شهيدًا عابرًا في دفتر الفقد، بل كان جرحًا مفتوحًا في الوعي الجمعي الفلسطيني. رجلٌ لم يحمل بندقية، بل حمل كلمة، وأشهرها في وجه الظلم كما تُشهر السيوف. لم يساوم، لم يتراجع، لم يخشَ إلا أن يصمت حين يكون الكلام هو الخندق الأخير.

في حزيران، لم يُقتل نزار فقط. بل قُتلت معه لحظة صدق، وانكشفت عورة الخوف الذي يخشى الصوت، ويخاف من الحقيقة حتى لو جاءت على هيئة رجل أعزل.

لكن، من بقي بعد نزار؟
بقيت هي.
زوجته.

امرأةٌ لم تُسلّط عليها الكاميرات، ولم تكتب عنها الصحف، لكنها كانت الجدار الصلب الذي لم ينكسر رغم الطعنات.
لبست السواد،

لتعلن الحداد على زمنٍ يُقتل فيه الأحرار.
لبسته وقفتها، لبسته عيناها، ولبسته روحها التي احترقت بصمت.

لم ترفع صوتها، لكنها هزّت الأرض بثباتها.
لم تبكِ أمام الناس، لكنها نزفت وحدها في الليل، وسندت أبناءها بقلب أمٍ وأبٍ معًا.

صبرها لم يكن استسلامًا، بل فعل مقاومة صامتة.
كلما تحدّثوا عن نزار، أشار الصمت نحوها، ليقول:
هنا امرأة علّمت الحزن أن لا يهزم الشرف، وأن الكرامة لا تُوارى في التراب مع الشهداء، بل تظل واقفة في البيوت، تغسل وجوه اليتامى وتهمس لهم: “أبوكم كان رجلًا لا يركع”.

هكذا رحل نزار، واقفًا كعادته، تاركًا خلفه وجعًا لا يُنسى، وامرأة لبست السواد لا حزنًا، بل وفاءً لراية لم تسقط.
رحل نزار، وبقي اسمه ينبت في الذاكرة كما تنبت شقائق النعمان على حواف الدم.
أما هي، فقد اختارت الصبر لا لضعف، بل لأن بعض النساء يُشبهْن الوطن… حين يُكسَر، يُعيدن بناءه بصمتٍ وعناد.

قبس نزار بنات