اعتاد العالم على بيانات جيش الكيان حول شن عمليات أو معارك وحروب أو غارات ولا سيما اجتياح بقعة ما، على ما تبقى من خارطة الوطن السليب بنكهة سيادة باتت صورية.ولكن وبعد السابع من أكتوبر وما يدور في غزة اختلفت تلك العمليات في الضفة وبدأت تأخذ طابعاً أكثرَ همجيةً من السابق وازدادت بطشاً بطابعها الوحشي أكثر حيث نرى جيش الاحتلال يحاصر الهدف ويقطع الماء والكهرباء والاتصال ثم يبدأ بهدم البقعة المستهدفة متراً تلو الآخر حتى ينهي مهمته الأساسية والتي عادة ما تكون قتل أو أسر أسود المقاومة في تلك البقعة. تركزت العمليات ما بعد السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ وحتى اليوم على عدة مدن في الضفة بمخيماتها (جنين – طوباس – نابلس – طولكرم – قلقيلية – سلفيت)، خاصة وبعد أن قام مقاومو الضفة من كل الفصائل وحتى من غير المنتسبين لأي فصيل بداية من خلال تكوين خلايا تحمل السلاح ومن خلال صناعة العبوات شديدة الانفجار ثم مقاومة جنود الاحتلال وصولاً إلى تنفيذ عمليات فدائية لضرب المستعمرين وتهديد أمنهم وزرع العبوات الناسفة للتنكيل بجنود العدو واصطياد عناصرهم عند نقاط التفتيش وفي الطرق البرية حتى تأمين مخيماتهم ومدنهم بزرع العبوات لصد أي توغل ومن ثم الاشتباك معهم وإيقاعهم بين قتيل وجريح، وإذا نظرنا لخارطة الضفة نرى وكأن سيناريو الحرب التي وقعت في غزة يتكرر في الضفة بعد أن عجز العدو عن القضاء على تلك الخلايا وأبطالها، فقد قرر العدو شن عملياته من الشمال إلى الجنوب، خاصة وبعد إعلان العملية العسكرية الموسعة (عملية التطهير) كما جاء في بيان الجيش على لسان الناطق العسكري و كأن العدو قد فرغ من تدمير غزة فقرر تدمير مدن الضفة ومخيماتها بشكل مكثف أكثر من ذي قبل. ليصنع نزوحاً جديداً كنزوح أهل غزة من خلال البدء بتفريغ شمال الضفة بحجة “التطهير” ومن ثم هدم وحرق وتدمير كل ما في طريقهم بحجة استهداف “المخربين” والذين هم أشرف الرجال حملة السلاح الذين لم ولن يقبلوا الذل ولا الهوان. بدأ العدو يوم الخميس (٢٨ – أغسطس – ٢٠٢٤) تنفيذ سياسة الإخلاء من خلال عبارات أطلقها في سياق أن الجيش يسمح لأهالي مخيم نور شمس بالخروج من منازلهم نحو منطقة المسلخ خلال أربع ساعات من الساعة الثانية عشرة ظهراً وحتى الرابعة عصراً، و إن الخروج مسموح فقط عبر شارع نابلس، يسمح العدو وكأنه يمنح سكان المخيم فرصة عليهم انتهازها وفي الحقيقة كلنا نعلم بأنه يريد تهجيرهم بلا عودة ليصادر ما تبقى من أرض فلسطين التاريخية. أما بخصوص جدوى تلك العملية وهذا السيناريو الذي فشل بالقضاء على المقاومة في غزة، فبالتأكيد لن يقدر على القضاء عليهم في الضفة لأسباب عديدة منها أن جغرافية الضفة أصعب من غزة من ناحية التضاريس، ولأن أبناء الضفة على احتكاك دائم مع قوات الاحتلال و على دراية أكثر بالتعامل مع جنوده على مدار أعوام من الاشتباك المباشر، كما أن غالبية جنود الاحتلال في عملية الضفة من قوات الاحتياط أو من المنهكين في معارك غزة، وأخيراً وليس آخراً فإن العدو يجهل حتى اللحظة مدى القوة المعدة لاستقباله ولقتاله و يجهل وجود أنفاق في الضفة على شاكلة أنفاق غزة بالإضافة إلى أسئلة كثيرة لا يعرف العدو أجوبة عنها، فهل لدى المقاومة في الضفة ياسين 105 أو مدافع هاون أو حتى صواريخ!خاصة بعد أن حثَّت قيادات المقاومة على تعزيز جبهة الضفة منذ أعوام وقد شهدنا مؤشرات على ذلك من خلال إحباط بعض عمليات تهريب السلاح للضفة والقادمة من الجمهورية العربية السورية على مدار الأحد عشر شهراً وخلال عدة سنوات قبل السابع من أكتوبر حين نادى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد الخامنئي وأمين عام حزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله لتعزيز جبهة الضفة، كل هذا يشكل هاجس رعبٍ في عقل الكيان وقلبه. الوضع في الضفة في قمة الخطورة فربما يقع في الضفة أشد مما وقع في غزة، فقد اعتاد العدو أن يمحو كل جريمة من جرائمه بجريمة أشد وقعاً منها ليمحو تداولها فيتم التركيز على الجريمة الجديدة مع الاستمرار بمواصلة الجريمة الأولى تحت غياب إعلامي و تشتيت مدروس، الضفة وسكانها اليوم على المحك وغزة و سكانها أمام محاولة تغييب كبيرة. هل تنتفض الضفة؟ وهل تكون مدن الداخل المحتل سنداً للضفة ونرى اللدّ بمشهد بطولي كالذي شاهدناه خلال معركة سيف القدس؟ هل سنشاهد موقف جديد يصدر من رام الله؟ هل ستتوجه الأجهزة الأمنية إلى الخليل وأريحا لضبط الشارع أم سنرى منها ما نرجوه؟، ليس أمامنا إلا أن نشد على أيدي المقاومين وأن ندعو الشعب للالتفاف حولهم والانضمام لهم فلا يوجد أي خيار اليوم إلا خيار المقاومة، خاصة في ظل إعلان العدو بأنها أكبر عملية على الضفة منذ عام ٢٠٠٢، حين اجتاح مخيم جنين آنذاك. سلام على رجال الله في الميدان الصابرين الصامدين والقابضين على الجمر ونرجو من أهلنا بالضفة توحيد الصفوف إلى جانب الأبطال و مؤازرتهم وتثبيتهم فإن الكرب قد اشتد واليوم ليس كأي يوم فإما أن نكون أو لا نكون.
صلاح الدين حلس – الكويت