بين دوافع العدوان وثوابت المقاومة
رقية حسين إسماعيل الدرب
المقدس في الصراع الحضاري يشكل استهداف المقدسات الدينية سواء كانت _ قرآنًا كريمًا، أو مساجد، أو أضرحة أنبياء وأولياء_
سلوكًا عدوانيًا مُتعمدًا يتجاوز كونه جريمة حرب ليصبح مؤشرًا على طبيعة صراع حضاري يستهدف هوية الأمم ومعاني الثبات في نفوسها.
وهو فعل لا يرتكبه إلا من تجرد من القيم الإنسانية والأخلاقية، وسعى لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية عبر ضرب الثوابت الرمزية للشعوب.
تُمثِّل الإساءة إلى القرآن الكريم،الكتاب المقدس؛ جريمةً معنويةً وأخلاقيةً لا تُغتفر، وتُعدُّ استفزازًا صارخًا للمشاعر الإسلامية، وخطرًا يهدد السلم المجتمعي العالمي.
الموقف القرآني والأسس العقائدية:
يؤسس القرآن الكريم نفسه لمبدأ احترام مقدسات الآخرين،حتى في خضم الاختلاف معهم، يقول تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108].
هذه الآية تشكل قاعدةً أخلاقيةً عُليا تمنع استفزاز مشاعر الآخرين، مما يجعل الإساءة المتعمدة للقران نقيضًا تامًا لتعاليمه السمحة.
فالدفاع عن القرآن هنا ليس دفاعًا عن رمز فقط، بل هو دفاع عن المبدأ الأخلاقي الكوني القاضي بوجوب احترام المعتقدات.
الإساءة للقرآن بأنها “حرب على هوية الأمة ووجودها”.
كما قال السيد عبد الملك: “القرآن الكريم هو هويتنا وهو كلام الله المقدس… أي عدوان عليه هو عدوان على كل مسلم، وعلى الضمير الإنساني كله، ولا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي تجاه من يتطاول على مقدساتنا تحت أي ذريعة.”
دوافع هذه الإساءات بأنها جزء من "حرب نفسية وثقافية تستهدف تفكيك قوة الأمة المعنوية"
وأن الوسيلة الأنجح هي “تعزيز التمسك بالقرآن عمليًا، وبيان رسالته العالمية عبر الفعل والسلوك، وكشف تناقض الغرب الذي يدعي الحرية وهو يقمع كل صوت يخالف أجندته.”
نحذر من ردود الفعل العشوائية التي تلعب لصالح الخصم، كما قال السيد حسن نصر الله: “هدفهم استفزازنا لنتصرف بطريقة همجية، فيقدموننا للإعلام العالمي على أننا إرهابيون.
قوتنا في أن نكون أذكياء، وأن نوجه غضبنا نحو ما يزيد من قوتنا الداخلية وإصرارنا، ونحو مقاطعة منتجات من يدعم هؤلاء، ونحو كشف زيف شعاراتهم في المحافل الدولية.” ويؤكد أن “كرامة القرآن تستمد من كونه كتاب هداية، وكرامته لن تُنال بإحراق نسخ منه، بل بتطبيق تعاليمه.”
الرؤيه الاستراتيجية
· التشخيص:
الإساءة عمل سياسي ممنهج وليست حادثًا عابرًا، تهدف إلى إضعاف الأمة معنويًا واستفزازها للدخول في معارك جانبية.
· الهدف الاستراتيجي للخصم: تحويل الصراع من صراع على الأرض والحقوق إلى صراع ديني مذهبي، لتبرير سياسات الهيمنة.
· الرد الحكيم المطلوب:
يتضمن عدة مستويات
- مستوى شعوري: إعلان الرفض والاستنكار بوضوح، والحفاظ على المشاعر ضمن إطار الكرامة وليس الانفعال.
- مستوى سياسي وقانوني: تحريك الدبلوماسية الإسلامية ، ومطالبة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بتبني معاهدة دولية تحظر ازدراء الأديان، كما تحظر التمييز العنصري.
- مستوى ثقافي وحضاري:
هو المستوى الأهم، ويتمثل في “مقاومة الإساءة بالإنتاج”، أي إنتاج خطاب قرآني معاصر، ودعم العلماء والمفكرين، واستخدام الفنون والإعلام لنشر القيم القرآنية بشكل جذاب. - مستوى عملي:
مقاطعة اقتصادية وثقافية للمؤسسات والدول التي تتستر على هذه الإساءات أو تشجعها.
الإساءة إلى القرآن، هي اختبار لوعي الأمة وحكمتها.
النصر الحقيقي لا يتحقق برد الفعل الغاضب اللحظي، بل بالتحول من موقع “المدافع” الذي يستجيب لأجندة الخصم، إلى موقع “الفاعل” الذي يفرض أجندته الثقافية والحضارية على العالم.
الدفاع عن القرآن يبدأ بتعظيمه في القلوب، وتطبيق هداه في الواقع، وتقديم نموذج إنساني رفيع يستلهم منهجه.
أن حرمة القرآن تُصان بالعمل الجاد البناء أكثر مما تُصان بالغضب العاطفي.
.
