.في لحظة إقليمية شديدة التعقيد، حيث تتشابك ساحات لبنان وسوريا واليمن مع الحسابات الأميركية الإسرائيلية، يبرز تكتيك الصبر كخيار استراتيجي تعتمده قوى المقاومة، في مقابل حالة ارتباك واضحة لدى تل أبيب، وتردّد محسوب في واشنطن التي لا تزال تُبقي قرار الحرب الشاملة في أدراج البيت الأبيض، ربطًا بأولويات عالمية وإقليمية متغيّرة.
.لقد بات واضحًا أن الولايات المتحدة لم تعد تتعامل مع المنطقة بعقلية الحسم السريع، بل بمنطق إدارة الأزمات وتدوير الزوايا، تفاديًا لانفجارات كبرى قد تُهدد مصالحها الاستراتيجية، وخصوصًا أمن “إسرائيل” من جهة، واستقرار الخليج وأسواق الطاقة من جهة أخرى.
.وفي هذا السياق، يندرج النص التالي الذي يُشكّل جوهر هذه القراءة التحليلية، ويُعبّر بدقة عن طبيعة المرحلة الراهنة وتشابك مساراتها؛
.خطأ الإعتماد على السُلطَة البديلة لنظام الأسد لن تُكررهُ واشنطن، وهي تسعى لإستخدام أسلوب المقاومة والحرس الثوري والنظام السوري في دمشق بداية التحـَوُّل إلى العمل العسكري بعد المظاهرات، أي فرض الحصار وتقطيع الأوصال بين مناطق القِوَى والنفوذ بين المسلحين، وشراء الذِمَم وزرع الفِتَن والتفرقه بينهم،
.الأولوية لدى القيادة المركزية الأميركية في الشرق الأوسط هي التحرُك بإتجاه البادية بحجة محاربة داعش وقطع الطريق على الحشد الشعبي إذا ما فكرَ بالتحرك داخل الأراضي السوريه باتجاه حمص لتخفيف الضغط عن لبنان.
.الخطوة الثانية ستكون بالمفاوضات الغير مباشرة مع طهران لترتيب أوضاع المنطقه حسب الرؤية الأميركية بشرط عدم المساس بالمصالح الإسرائيلية مقابل إمتيازات بخفض العقوبات ورفع القيود عن بعض الحسابات الإيرانية المجمدة في الخارج، وتحت ظِلال هذه المفاوضات سيستغل الإسرائيلي الوقت للقيام بعمل عسكري مُنسق مع واشنطن ضد المقاومة الإسلامية في لبنان وحركة أنصار الله في اليمن!. ظِناً منهم أن تل أبيب قادرة على تحقيق تقدم على الساحه اللبنانيه واليمنية على حَدٍ سواء وفي الوقت الضائع.
.بعيداً عن الحسابات الأميركية والصهيونية، للرياض حسابات أخرى مختلفه لا تدخل ضمن أجندة تل أبيب ولكنها تقع ضمن أولويات واشنطن وهي الأمن الإقتصادي الخليجي الذي يؤثر سلباً على سوق النفط العالمي والممرات البحرية،
.من هنا كان سعي الرياض بإتجاه طهران لتثبيت دعائم وقف إطلاق النار مع اليمن فيما حكومة نتنياهو لا تأبه إلى إرتفاع مؤشر القلق لدى القيادة السعوديةالتي لا تستطيع واشنطن مجانبته بتاتاً. الإمارات لديها نفس توجُه الرياض ونفس مستوى القلق. وتعمل على التواصل مع طهران بصمت كبير.
.يبقى السؤال إلى أين ستؤول الأمور في ظل جهوزية حزب الله واستعداده لخوض أي حرب قد تُفرَض عليه. وفي ظل ضغط سياسي يمارسه الداخل السياسي اللبناني على المقاومة. ومطالبة أمريكا وإسرائيل بالقيام بعمل عسكري ضد مناطق الشيعه.
وخصوصاً أن المتغيرات كثيرة ويومية وواشنطن لم ثبت على رأي أو قرار! ماذا سيجري بعد دخول العالم عام 2026.
.على الساحة السورية، يتقدّم المشهد الأمني في البادية وشرق البلاد كأولوية أميركية، ليس فقط تحت عنوان “محاربة داعش”، بل في إطار منع أي تواصل جغرافي أو عسكري قد يُعيد ترميم محور المقاومة من العراق إلى سوريا فلبنان. هذا يفسّر تكثيف الوجود العسكري الأميركي، واستمرار الضغط الاقتصادي، ومحاولات تفكيك البيئات الحاضنة عبر الأدوات ذاتها؛ الحصار، الفتن، واستنزاف الداخل.
.أما في لبنان، فإن التصعيد الإسرائيلي يبقى مضبوط الإيقاع، محكومًا بسقف أميركي واضح؛ لا حرب شاملة الآن، ولا قدرة على تحمّل كلفة مواجهة مفتوحة مع حزب الله، في ظل جهوزيته العالية، وتحوّل أي حرب إلى تهديد مباشر للأمن الإقليمي، من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر.
.إذاً إلى أين تتجه المنطقة؟
.في المرحلة المقبلة، وخصوصًا مع دخول العالم عام 2026، تبدو مفتوحة على كل الاحتمالات؛ تفاهمات مؤقتة، تصعيد موضعي، أو انفجار كبير إذا فشلت أدوات الضغط السياسية والاقتصادية. لكن الثابت الوحيد هو أن زمن القرارات السهلة انتهى، وأن ميزان الردع لم يعد كما تشتهيه تل أبيب، ولا كما تخطط له واشنطن.
إنه زمن الصبر الاستراتيجي، في مقابل قلق متزايد لدى من اعتادوا الحسم بالقوة.

إسماعيل النجار_بيروت