هل إهانة القرآن أصبحت تذكرة عبور للكونغرس؟
أحلام الصوفي
في مشهدٍ يقشعر له الوجدان وتشمئز منه الفطرة السليمة، أقدم المتطرف الأمريكي “جيك لانغ” على تدنيس القرآن الكريم بوضع نسخة منه في فم خنزير، في سابقة خطيرة وحقيرة لا تنتمي إلى أي حضارة إنسانية، بل تعكس انحدارًا أخلاقيًا وتوحشًا مقيتًا يختبئ خلف شعارات حرية التعبير الكاذبة. الواقعة جرت في مدينة “بلانو” بمقاطعة كولين في ولاية تكساس الأمريكية، خلال تظاهرة عنصرية معادية للإسلام، ليُعيد “لانغ” في 18 نوفمبر تكرار فعله المشبوه بمحاولة حرق المصحف الشريف في ديربورن، المدينة ذات الأغلبية العربية.
إن ما قام به هذا المتطرف لا يمكن قراءته كتصرف فردي معزول، بل هو جزء من مناخ متصاعد من التحريض ضد الإسلام والمسلمين، تغذيه دوائر إعلامية وسياسية يمينية، وتجده بيئة خصبة في مجتمع لم يُحمّل المتطرفين يومًا مسؤولية أفعالهم، بل يمنحهم المنصات والشرعية وربما مقاعد في الكونغرس ذاته. وهنا يُطرح السؤال المؤلم هل أصبح التجرؤ على الإسلام شرطًا غير معلن للوصول إلى مراكز النفوذ السياسي في أمريكا؟
حين يتحول الاعتداء على المقدسات الإسلامية إلى وسيلة للدعاية الانتخابية، فهذا مؤشر خطير على أن الكراهية لم تعد محصورة في هامش التطرف، بل زُرعت في قلب الثقافة السياسية الغربية، وتغاضت عنها المؤسسات الرسمية تحت ستار الحريات العامة. لكن حرية التعبير لا تعني حرية الإساءة، ولا يمكن أن تكون غطاءً لتدنيس ما يقدسه أكثر من مليار ونصف مسلم.
إن تدنيس المصحف لن يُسقط من قدسيته، بل يسقط من أقدم على الجريمة، ويُسقط كل من تواطأ بالصمت أو التبرير. أما القرآن، فسيبقى مشعًّا بنوره، مرفوعًا بعزّة الله، محفوظًا بوعده، لا يطاله الدنس إلا ليزداد سموًا في قلوب المؤمنين.
لقد تجاوزت المسألة حدود الفرد، ووصلت إلى المساس بجوهر العلاقة بين الشرق المسلم والغرب المتغطرس. وعلى الأمة الإسلامية أن تعيد رسم موقفها، وأن تُحمّل الجهات الرسمية، والهيئات الحقوقية، والمؤسسات الدولية، مسؤولية هذا السكوت المدوي، وأن تُطالب بوقف هذه الإساءات الممنهجة تحت أي مسمى.
من أراد الوصول إلى الكونغرس على ظهر الكراهية، فعليه أن يدرك أن المقاعد لا تمنح الكرامة، وأن الشعوب لا تنسى من أساء لمقدساتها، وأن التاريخ يسجل، والعدالة الإلهية لا تغفل.
إن أمريكا، وهي تزعم قيادة العالم الحر، تغض الطرف عن جرائم كراهية صريحة تُرتكب بحق الإسلام، وكأن مقدسات المسلمين لا تستحق الاحترام، أو كأن مشاعر مليار ونصف مسلم لا وزن لها في ميزان “حقوق الإنسان” الذي يُستخدم انتقائيًا لتبرير ما يُناسب أجنداتها. فلو تم تدنيس كتاب مقدّس آخر غير القرآن، لرأينا الإدانات تتوالى من البيت الأبيض والكونغرس والأمم المتحدة، ولأُدرج الفاعل في قوائم الإرهاب، لكن حين يكون المستهدف هو الإسلام، فإن الصمت يصبح هو القاعدة، والتبرير هو اللغة المعتمدة.
هذه الازدواجية المفضوحة لا تُسيء فقط للمسلمين، بل تُعرّي الوجه الحقيقي للمنظومة الغربية التي تتغنى بقيم العدالة والمساواة، بينما تمارس الإهانة المقننة ضد دين عالمي عظيم. ومن المحزن أن بعض الأصوات داخل الكونغرس لا تكتفي بالصمت، بل تدافع ضمنيًا عن هذه الأفعال بوصفها “حقًا في التعبير”، في تجاهل تام لما تمثله من تهديد للسلم المجتمعي، وتحريض على الكراهية والعنف.
المسلمون في أمريكا والعالم اليوم أمام مفترق طرق. إما أن يُواجهوا هذا التحدي بوحدة خطاب ووضوح موقف، أو أن يُترك المجال مفتوحًا لكل متطرف يبحث عن ضوء الكاميرات على حساب العقيدة الإسلامية. ويجب أن تعلم المؤسسات الأمريكية، ومن يسعى للدخول فيها، أن القرآن الكريم ليس موضوعًا سياسيًا، ولا أداة للمتاجرة الانتخابية، بل هو كتاب الله الذي لا يمسّه إلا المطهرون، وقد حفظه الله في صدور عباده، قبل أن يُطبع على الورق.
