وسط الركام والبيوت المهدمة وحقول الزيتون التي أكلتها النيران، يحاول سكان غزة استعادة شيء من الحياة بينما تتحرك تحت أقدامهم قنابل موقوتة خلّفتها الحروب المتعاقبة، فإلى جانب الحصار ونقص الخدمات، يواجه الغزيون خطرًا صامتًا يختبئ في الشوارع والمنازل، حيث ترك الاحتلال كميات هائلة من القنابل العنقودية والمقذوفات غير المنفجرة، فيما تعمل فرق الهندسة والإطفاء في بيئة شديدة الخطورة وبأدوات محدودة.
يقول أحد مسؤولي الدفاع المدني:” كل منطقة تعرضت للقصف نعتبرها حقلًا محتملاً للألغام، كثير من الأطفال والمدنيين أصيبوا خلال لعبهم أو محاولتهم العودة لمنازلهم.”
ويضيف النقيب م. سليم من وحدة المتفجرات: “تحديد مواقع المقذوفات غير المنفجرة تحدٍّ يومي، نعمل بأدوات محدودة… والخطر يرافقنا دائمًا، لكن حماية الناس واجب لا نستطيع التراجع عنه.”
ضحايا صغار… أجساد مبتورة وطفولة ناقصة
في شمال القطاع، تحوّلت لحظات اللعب إلى مأساة للطفل محمود النجار من جباليا، حين انفجر جسم غريب تحت قدميه، لتفقده قدمه وتتركه في حالة صدمة مستمرة. تقول والدته:
“ركضنا بعد سماع الانفجار… وجدناه غارقًا في الدم، ولم يعد يحتمل أي صوت مرتفع.”
أما في بيت لاهيا، وجد الطفل أمير طمبورة قطعة معدنية ظنّها لعبة، لكنها انفجرت في يديه، لتسرق منه ثلاثة أصابع وتترك عائلته أمام صدمة قاسية جديدة، قصتان من بين مئات الحوادث التي لا يتم الإعلان عن معظمها، في ظل محدودية العلاج والدعم النفسي المتاح للأطفال المصابين.
اتفاقيات دولية غائبة… وتمويل يتراجع
رغم مرور أكثر من 25 عامًا على توقيع اتفاقية أوتاوا لحظر الألغام عام 1997، وامتثال أكثر من 160 دولة لها، لا تزال “إسرائيل” خارج الاتفاقية، تاركة مناطق النزاع، مثل غزة و اليمن وسوريا تواجه وحدها تركة ثقيلة من الألغام والذخائر غير المنفجرة.
وتشير منظمات دولية إلى أن تكلفة إزالة لغم واحد قد تصل إلى 1000 دولار، في حين أن صناعته قد لا تتجاوز 3 دولارات، ما يعكس الاختلال الكبير بين حجم الخطر وسهولة صناعته، في المقابل، تتراجع المساعدات الدولية بشكل ملحوظ، ما يضاعف العجز في برامج إزالة المتفجرات والتوعية بمخاطرها داخل غزة.
خطر مستمر… وضرورة لتحرّك عالمي عاجل
تحذّر منظمات إنسانية عاملة في قطاع غزة من ضعف الوعي المجتمعي بمخاطر مخلفات الحرب، مشيرة إلى أن آلاف العائلات تعيش وسط ركام ومناطق مدمرة دون أي إرشادات تحميها من الأجسام المتفجرة التي تركتها الحروب خلفها.
وتزداد الحاجة إلى جهود دولية حقيقية لدعم عمليات نزع الألغام في غزة، فالمخلفات الحربية لا تنتهي بانتهاء القصف، بل تبقى تهدد حياة المدنيين لسنوات طويلة.
كريمة شهاب/بوابة الهدف الإخبارية
