“تسقط الأجساد.. لا الفكرة” مقولة شهيرة للأديب والمناضل الفلسطيني غسان كنفاني، هذه المقولة ليست مجرد كلمات شاعرية، بل شكّل فحواها عمود الأساس للفكر الذي تنتمي له كل حركات التحرر في العالم.

ما هذه الجرأة التي امتلكها الرفيق علي حجازي كي يغيّر اسم حزب أُسّس قبل ثمانية وسبعين عاماً بلحظة؟ البعث مبادئ وقيم، وهو حزب الفلاحين والمثقفين وصغار الكسبة، وهو صمام أمان وعابر للطوائف، ومن أفكاره اشتُقّت أفكار العديد من التيارات المقاومة، بل هو يعبّر عن الفكر الحضاري العربي الحديث.

لا أحد يشكك بمواقف الرفيق علي حجازي الداعمة للمقاومة، لكن جاءت خطوته بمثابة الرضوخ لهذه المرحلة القذرة، ويكمن السؤال: لكي يتم استرضاء من؟ تم تغيير اسم “حزب البعث العربي الاشتراكي” إلى “حزب الراية الوطني”، واستُبدل شعار الوطن العربي بشعار الأرزة التي نعتز بها، لكنها بصراحة توحي هي والاسم الجديد إلى أن الرفيق علي ذهب بالحزب نحو التقوقع، وهذا التقوقع يضرب أيديولوجيا الحزب العروبية بالصميم.

رغم أن ظاهر هذه الخطوة هو تغيير لاسم الحزب، لكنني أراها إما انشقاقاً لعلي حجازي ومن حوله، وإما استقالة جماعية بطريقة ناعمة وتأسيس حزب جديد، وأياً يكن الوصف فهي في نهاية الأمر خطوة خلقت أزمة أيديولوجية في نقطة جوهرية تتعلق بمسألة رسالة حزب البعث العروبية، وبرز هذا بشكل أكبر من خلال خطاب الرفيق علي حجازي الذي ركّز فيه على الشأن الداخلي اللبناني وابتعد عن خطاب حزب البعث التقليدي.

على أية حال، هذه الخطوة بنظري زادت مشاكل الحزب، وخاصة أنها لاقت معارضة من العديد من كوادره، كالرفيق عاصم قانصوه على سبيل المثال لا الحصر، مما سيؤدي إلى زيادة تشتيت الحزب وتقسيمه، وعلى عكس ما جاء في خطاب علي حجازي أنها ستكون نقطة تحوّل مهمة للحزب.

لقد سقط الاتحاد السوفيتي ولم يتغير اسم الحزب الشيوعي في لبنان أو السودان أو في العديد من الأقطار العربية، لكن لماذا عندما رحل النظام في سوريا قالوا لقد انتهى حزب البعث في لبنان وتم حله في سوريا بعد يومين من احتلال دمشق؟
البعث امتداد إلى الوطن العربي وليس متعلقاً بشخص أو نظام أو دولة.

في النهاية أختم بتساؤل: أين حزب البعث؟!

أبو الأمير – القدس