حاوره: محمد أبو شريفة / مدير تحرير مجلة الهدف
جورج عبد الله طليقاً من السجون الفرنسية، إنه المناضل الأسير الذي عانق الحرية، المناضل في وجوه متعددة، ومتجددة منذ شبابه إلى كهولته، ثمة سيرورة تاريخية شكلته كعلامة فارقة، تكثفّ رحلته النضالية، وتجهر بوعيه القومي والوطني والأممي وصلابته، كما رؤيته العميقة للتحولات والمشهد السياسي الفلسطيني والعربي والعالمي والأدل إيمانه بدور مجلة الهدف الريادي، والتنويري، ووعيه بقوانين الصراع بمستوياته كافة مع الأمبريالية والصهيونية وثقته الراسخة بالنصر، وحسم الصراع لصالح الشعوب وفي المقدمة منها الشعب الفلسطيني.


الهدف، وعلى هامش المؤتمر القومي العربي الذي انعقد ببيروت التقت المناضل الكبير جورج عبد الله وكان لها معه الحوار التالي:
• ذكرياتك الأولى مع مجلة الهدف؟
العلاقة قديمة جداً، كنت شابًا آنذاك وفي العشرينات من عمري (تريد أن تعيدني لشبابي. أنا عمري الآن 74 سنة)، يمكننا القول إن الأطراف التي كانت تشرف على “الهدف” كانت لها علاقة، ليس فقط مع مجلة “الهدف”، بل مع أجهزة الجبهة.
• هل التقيتُ غسان كنفاني سابقًا؟
طبعًا، كان لغسان دور كبير. أنا شخصيًا لا أعرفه مباشرة، لكننا ربينا على فنه.
• ما هو تقييمك للمؤتمر القومي العربي بالدورة الرابعة والثلاثين؟
المؤتمر هو إطار يمكن أن يلتقي فيه الناس وتُطرَح بعض الأفكار، ونرى حالة المثقفين من هذا النمط أين هم؟!. لا نحمله أكثر من طاقته، مجرد وجوده هو في حد ذاته مكسب، المهام المطلوبة من خارج المؤتمر كبيرة، فالمطلوب إذن فهم الأقطار العربية بشكل ثوري، ومطلوب من “الهدف” وغير “الهدف” أن يبحثوا ويحفروا ويجيبوا على أسئلة كبيرة: مثل أين الجماهير العربية؟ ولماذا؟ وما معنى أن الجماهير الأوروبية تتحرك؟ ولماذا؟
لماذا التضامن مع فلسطين اليوم؟ ماذا يعني؟ هل هو محبة فلسطين أم هناك عوامل أخرى؟ هل الكوفية التي يحملها المتظاهر الأوروبي تعبر فقط عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني وآلامه؟ أم تعبر عن رفضه للنظام العالمي الذي يجعل من حرب إبادة موضوعًا للنقاش الثانوي؟
نريد أن نرى: هل حالة الجماهير العريضة هذه التي نزلت إلى الشوارع، هل من الممكن أن تكون الكوفية الفلسطينية هي عنوان لمواجهة صيرورة الفاشية في هذه الأنظمة؟ هل هناك علاقة بين أن يكون حزب “الجبهة الوطنية” لمارين لوبان في فرنسا أول حزب، وبين تحرك الجماهير تحت راية الكوفية الفلسطينية؟
أقصد أن مارين لوبان هي أول حزب في المشهد البرلماني، وهو حزب فاشي وهو مع “إسرائيل” بكل أبعادها، مع “إسرائيل” أكثر من (بن غفير) و(سموتريتش) أنفسهم.


هذا اليمين المتطرف يسمى يمينًا متطرفًا، ولكنه في الحقيقة يمين فاشي، وهو الذي كان يُعتبر معاديًا للسامية. ما معنى أن يتغير مضمونه؟ وما معنى أن تقف الجماهير مع فلسطين في وجه هذه الصيرورة الفاشية؟
هذا يقودنا إلى سؤال: كيف تقيم أداء النخب العربية؟ هل هي بالفعل حققت مستوى الوعي المطلوب؟
من هي النخب العربية؟!. قد نختلف على مقولة “النخب”، النخب العربية هم الناس الذين يواجهون بالبندقية، أم هم الناس الذين لديهم إمكانية التكلم على المحطات الإذاعية بدون أن يكون لهم علاقة بممارسة الكفاح، ويعطون نصائح ويقولون افعلوا ذلك ولا تفعلوا ذلك؟
هل كتلة المثقفين العرب تلعب دورها أم لا؟ تقديري الشخصي: لا تلعب دورها. هذه هي المسألة المركزية.
دور الجبهة الشعبية و”الهدف” من خلال وجودها في الجبهة الشعبية، دور أساسي في محاربة كل الأفكار التي أدت إلى هزيمة حركة الجماهير، فالجماهير العربية لا تتحرك الآن ليس فقط، لأن هناك قمعًا، فمقولة القمع غير صالحة للاستخدام. لم يسقط في مصر عشرون ألف قتيل، ولم تكن هناك مظاهرة ليموتوا فيها أساسًا، لم ينزلوا إلى الشوارع خوفًا من الموت، هذا الخوف لماذا؟ ماذا يعني أن يُخوَّف الشعب في فرنسا ويدخلون السجن في فرنسا ويستمرون؟ لماذا لا تحصل في مصر ثورة؟ هناك مئات آلاف الأسرى في السجون المصرية، ولكن هناك ظروفًا اجتماعية اقتصادية تدفع للثورة… أين نحن منها؟
•ماذا تقول في الذكرى الثانية لـ معركة “طوفان الأقصى” ؟
“طوفان الأقصى” يشكل حالة حاسمة ما بين ما قبل وما بعد “طوفان الأقصى”، وضعَ “إسرائيل” في موقعها في آخر فصل من فصول وجودها، بعكس كل الدعايات. دور “الهدف” أن تفضح هذه الدعايات المغرضة والدعايات التطبيلية. “إسرائيل” اليوم هي أضعف من أي فترة سابقة. كانت لديها في سنة 1970 مؤسسات اقتصادية فردية، وفي التسعينات بدأت تشكل حالة اقتصادية متقدمة من خلال “السيليكون فالي” وغيرهم، مع مليون من المعسكر الاشتراكي وعدد كبير من المليارات.

“طوفان الأقصى” أدى إلى ضرب كل هذا. “إسرائيل” حاليًا نتحدث وكأنه لم يحصل “طوفان الأقصى”، نتكلم وكأن “السيليكون فالي” ما زال موجودًا. “السيليكون فالي” طار، والمؤسسات المالية الأوروبية طارت بفعل “طوفان الأقصى” ولن تعود لا اليوم ولا غدًا، لأسباب موضوعية، وهي وضع الرأسمال العالمي وهو في حالة صدام مع ذاته، لأن هناك أزمات مستعصية. فالرأسمال الأمريكي لديه 32 تريليون عجز ولا توجد أزمة أكبر من هذه. لذلك فالرأسمال الأمريكي بقيادة ترامب يدوس على كل المعاهدات الدولية، ويحاول قدر المستطاع أن ينهب بأسرع ما يمكن عن طريق البلطجة؛ لأنه يرى أن الأمور قد وصلت إلى الزاوية.
علينا أن نفهم ما الذي يحصل في أمريكا، ومتى ستنفجر الثورة؟ التناقضات بين الإمبرياليات بلغت حدًا، أننا أصبحنا على أبواب حرب عالمية ثالثة. والذي يمنع الحرب العالمية الثالثة، هي الثورة في فرنسا، في إيطاليا، وغيرها، دور “الهدف” أن تقول لنا كيف سيحصل هذا، وما هي العلاقة بين جماهيرنا وجماهير أوروبا، كيف يمكننا التنسيق بين بعضنا البعض. وهذا بالضبط هو دور مجلة “الهدف”.
• هل كنت تتوقع أن تنال الحرية؟
طبعًا. ولكن السؤال الأساسي الذي كان يشغل بالي، مثل أي مناضل، (أنا كنت مناضلًا في الأسر) وبالتالي كانت مهمتي أن أرى أين يمكنني التعبير عن النضال. لم أكن أسيرًا مناضلًا، ولو كنت ذلك لكنت خرجت منذ زمن طويل. أنا لست أسيرًا مناضلًا، بل أنا مناضلٌ أسير. إذا كان الأمريكي يملي في الثمانينيات بقصف شعبنا وكان مجرم حرب، اليوم هناك حرب الإبادة، وهو أكثر من مجرم حرب، هو وكل المؤسسات التي تحيط به، وكل التشكيلات الاجتماعية التي يعبر عنها. وشعرت أن كل ما هو ضروري للنصر وُجِد. وجدت الناس، وجدت أبطال غزة، أبطال الضفة الذين وقفوا في وجه العدو.