لم يعد الابتزاز السياسي مقتصراً على الغرف المغلقة أو الملفات السرية التي تُلوّح بها الدول عند الأزمات. اليوم، ومع توسّع منصات التواصل الاجتماعي، أصبح التسريب – مهما كان مصدره – أداة فعّالة لتوجيه الرسائل، وصناعة المزاج العام، والضغط على الحكومات قبل الشعوب.
ولعلّ التزامن بين الزيارة السعودية إلى الولايات المتحدة وبين تسريبات حساسة طالت العائلة الحاكمة يفتح الباب واسعاً أمام أسئلة مشروعة حول خلفيات ما جرى، وعمّن يستفيد من إشعال هذا النوع من الضوضاء الإعلامية.
جاءت زيارة المسؤولين السعوديين لواشنطن في مرحلة مفصلية، حيث يدفع الأمريكيون بقوة نحو إعادة إحياء ملف التطبيع مع الكيان الإسرائيلي. ورغم أن السعودية ليست بعيدة عن هذا المسار من حيث المبدأ، إلا أنّ الخلاف الفعلي يتمحور حول شرط حلّ الدولتين الذي تتمسك به المملكة باعتباره الحدّ الأدنى لأي تسوية.

في هذه اللحظة الحساسة، ظهرت تسريبات شخصية فجأة، وعن طريق مؤثرين مصريين تحديداً، لتتحول إلى مادة يومية في الفضاء الرقمي. السؤال هنا ليس فقط في مضمون التسريب، بل في التوقيت و الأداة و الغاية.
من غير المنطقي أن يمتلك مؤثرون على منصات التواصل مثل هذه المواد بمحض الصدفة. والأكثر غرابة أن ينشروا تسريبات تخص دولة أخرى.
هذا النمط من التسريب يشي بأن هناك جهة ما تريد خلق فوضى، أو على الأقل إرسال رسالة ضغط:
“الملفات ليست سرية… ويمكن استخدامها.
مثل هذه الرسائل تُستخدم عادة لدفع الأطراف نحو مواقف أكثر ليونة، أو للتخلي عن خطوط حمراء، خصوصاً حين يتعلق الأمر بملف كبير كالتطبيع، الذي يعتبره الكيان الإسرائيلي بوابة خلاص سياسي في مرحلة يعيش فيها ارتباكاً داخلياً وفقداناً للثقة.
الابتزاز الرقمي… الخطر الأكثر خطورة

السوشال ميديا جعلت الابتزاز أسهل وأخطر.
فلم يعد التسريب يحتاج إلى مؤسسة إعلامية أو ميزانية ضخمة. بضغطة زر، يمكن لفيديو واحد أن يخلق عاصفة سياسية، وأن يحرّك الرأي العام، وأن يؤثر على قرارات على مستوى دول.

وفي هذا النوع من الابتزاز:

الفاعل مجهول

المتلقي واسع

والأثر فوري

وهنا يكمن الخطر. لأنك لا تستطيع محاسبة جهة غير معروفة، ولا يمكنك تجاهل ضجيج رقمي يدور حولك في كل منصة. هكذا يصبح الابتزاز أداة ضغط سياسية حقيقية، ولو جاء عبر حسابات شخصية.
الكيان الإسرائيلي، الذي يواجه أزمة شرعية داخلية وخارجية، يبحث عن أي فرصة تُعيد إنتاج روايته، وتضمن تقدماً في مشروعه السياسي. ومن الطبيعي في مثل هذه الظروف أن يحاول استثمار أي توتر عربي – ولو كان مصدره تسريباً – لتحقيق مكاسب في ملف يراه وجودياً بالنسبة له.

بالتالي ، التسريبات التي ظهرت ليست مجرد “فضيحة رقمية”، بل محاولة لاستخدام السوشال ميديا كسلاح ضغط في لحظة سياسية دقيقة. وفي ظل غياب ضوابط واضحة، تتحول هذه المنصات إلى ساحة مفتوحة للابتزاز، حيث يمكن لأي طرف – دولة أو جهاز أو مجموعة – أن يضخ معلومات حساسة بهدف التأثير على الموقف السياسي لدولة بأكملها.
إنها معركة جديدة، عنوانها:
من يملك التسريب… يملك الضغط.

إنها معركة جديدة، عنوانها:
من يملك التسريب… يملك الضغط