عندما غاب الفكر الوطني الجامع، الذي كان سيّد الموقف في المجتمع السياسي السوري سابقًا، صعدت بدائل جديدة مناطقية ودينية وطائفية وعشائرية، فقُسِّم المجتمع معنويًا واجتماعيًا على أساسها للأسف الشديد، وهذا الانقسام شكَّل البنية التحتية الأساسية لمخطط تقسيم سورية الذي يسعى له العدو الصهيوني، وطالما حلم به المستعمر الفرنسي “غورو”. وبطبيعة الحال عندما ينقسم المجتمع على هذا الأساس يسهل اختراقه.
أحد أهم ركائز الخلل الاجتماعي والسياسي الذي يهدد سوريا أن الطوائف السورية بوعيها الجمعي تظن – بأحسن الأحوال – أن الصهيوني يشكّل خطرًا ثانويًا، فتجد كل طائفة من تشكيلات المجتمع السوري تعتبر أن الطائفة السنية تشكّل الخطر الأكبر عليها، وخاصة بعدما نجح العدو وعملاؤه بجعل “داعش” وانبثاقاتها الجهات المتنفذة بها، إذ سمح غياب الفكر السياسي السليم للطائفة السنية لجعل عصابات كداعش وجبهة النصرة وغيرها تخترق مجتمعاتها، وهذا عاد بضرر كبير عليها أكثر من غيرها، فبنهاية الأمر هي ضحية مؤامرة وأصبح الشرفاء منها لا صوت لهم، ومعتقلون لدى حكومة الأمر الواقع.
وبما أن الطائفة السنية مسيطر عليها من قبل ثلّة داعشية تابعة للصهيوني، فليس غريبًا أن تُكرَّس فيها فكرة أن كافة الطوائف أعداء لها، ولا نفشي سرًّا أن عقوبة من لا ينتمي للفكر الداعشي هي الموت، رغم أن الصهيوني هو الخطر الأكبر عليها ولا يوجد خطر غيره.
أصبحت – كما ذكرنا – هذه الطائفة السنية المختطفة من داعش، والتي يقبع شرفاؤها في السجون، تعتبرها باقي الطوائف تشكّل خطرًا عليها، وهي بهذا الوضع من الممكن أن تكون مُحِقّة، فتم دفع الكثير من الطوائف للتحالف مع الصهيوني، والوقوع في أفخاخه، وخاصة الطائفة الدرزية المختطفة من قبل ثلة من عملاء الصهاينة، وهذه الطوائف هنا هي غير مُحِقّة، فلا يوجد خطر أكبر من الصهيوني التوسعي على سوريا، الذي خلق هذه الأجواء الطائفية المقيتة لاحتلالها.
وكيف لا يكون الصهيوني يمثّل الخطر الأكبر، وهو توسعي إرهابي يسعى لإبادتنا، ولا يختبئ خلف إصبعه عندما يصرّح بأنه ينوي احتلال سوريا وأن سوريا له، ولا ننسى تصريح المجرم “سموتريتش” عندما قال: “قدر القدس أن تمتد إلى دمشق”.
وما يزيد الخطر أن الكردستاني المختطف من قبل عملاء أمريكا يخوض حركة انفصالية تعتبر الأقوى في سوريا، أما العلوي، رغم أن مواقفه مشرفة إلى الآن، إلا أنه عرضة للمؤامرات الصهيونية التي لا تكلّ ولا تملّ من محاولات اختراقه من خلال استغلال واقعه المرير، إذ أصبح الفئة الأكثر عرضة للخطر “الصهيوداعشي” في المجتمع السوري، أما المسيحي فنتيجة ما جرى تم إيهامه أن مرجعيته الغرب، مما انعكس على تنحيه في معظم الأحيان عن أي مشروع لمناوأة هذا الغرب، رغم أن أكبر التيارات المناوئة للمشروع الغربي الاستعماري كان مؤسسوها من أبناء الطائفة المسيحية كـ”عفلق” و”سعادة” و”حبش” على سبيل المثال لا الحصر.
ما يجري الآن في سوريا برمّته يصبّ فقط في مصلحة الصهيوني، الذي بعد سقوط دمشق في الثامن من ديسمبر يضع اللمسات الأخيرة على مشروعه، الذي بدأه منذ خمسة عشر عامًا.
لا يجدي نفعًا ضرب الأفعى على ذيلها يا شرفاء سوريا، بل سيزيد المشهد تعقيدًا، وجّهوا بنادقكم الموحدة نحو رأس البلاء الصهيوني الذي ينفث سمه بمنطقتنا العربية برمتها منذ عقود.
أيها السوريون الطبيعيون، على هذه الأرض متّسع للجميع إلّا لنا، فامتشقوا البنادق.. ووجهوها نحو رأس الأفعى.
أبو الأمير – القدس/سوريا الكبرى
