لقد افترض العديد من اليساريين المؤيدين لإيران أو المعارضين لها منذ فترة طويلة أن دعم إيران لفلسطين مدفوع فقط بالتضامن الديني، نظرًا للطبيعة الإسلامية لنظامها السياسي. ويفترض هذا الرأي أن دعم إيران للقضايا الفلسطينية هو في المقام الأول بسبب كونها قضية مسلمين. ويزعم البعض حتى أن دعم إيران لفصائل المقاومة، مثل حزب الله لكونهم شيعة. ومع ذلك، فإن هذا المنظور يبسط دوافع إيران ويتجاهل العوامل الجيوسياسية والإيديولوجية الأوسع نطاقًا.
إن موقف إيران الدولي واضح في دعمها لمجموعة متنوعة من القضايا والجماعات في جميع أنحاء العالم. على سبيل المثال، يعكس وجود بار برجر وشارع حيث توجد السفارة البريطانية باسم “بوبي ساندز” في إيران التزامها بأشكال مختلفة من المقاومة والعدالة الاجتماعية. يرمز بوبي ساندز، وهو شخصية قومية أيرلندية، إلى حركات المقاومة الأوسع نطاقًا، مما يُظهر أن دعم إيران لا يقتصر على الانتمائات الدينية أو الطائفية.
وعلاوة على ذلك، فإن دعم إيران لكوريا الشمالية التي لديها نظام علماني اشتراكي يعاني من العزلة الدولية والحصار، يسلط الضوء على تحالفات إيران الاستراتيجية مع الدول التي تواجه تحديات مماثلة. ويستند هذا الدعم إلى اعتبارات جيوسياسية ومصالح متبادلة أكثر من كونه تحالفًا تبسيطيًا قائمًا على معايير دينية أو طائفية.
إن دعم إيران لحركات المقاومة الأخرى مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين يوضح بشكل أكبر نهجها المعقد ومتعدد الأوجه للتضامن الدولي. ويؤكد هذا الدعم التزام إيران بأشكال مختلفة من المقاومة، تتجاوز الانتماءات الدينية البحتة وتتبنى إطارًا إيديولوجيًا أوسع. “في 17 نوفمبر 1979، بعد حوالي أسبوعين من بدء أزمة الرهائن في إيران، أمر آية الله روح الله الخميني بالإفراج عن 13 رهينة، جميعهم من النساء أو الأمريكيين من أصل أفريقي”، كما تم إطلاق سراح رهينتين من أصل تشيكانو (أمريكي مكسيكي) ومواطن أصلي بعد وساطة ياسر عرفات، مما يعكس معرفة ان ايران بأن بعض المواطنين حتى ان كان كانوا من عدو اكبر (الشيطان الأكبر) مضطهدون في بلدهم ولا يستحقون نفس المعاملة مثل الآخرين (الرجال البيض). تنص المادة 154 من الدستور الإيراني على أن الدولة يجب أن تدعم أي شعب أو طرف مضطهد، بغض النظر عن انتماءاته الدينية أو السياسية. يعكس هذا البند التزام إيران الدستوري بالوقوف إلى جانب الاطراف المضطهدة في جميع أنحاء العالم، مما يدل على أن دعمها متجذر في مبادئ العدالة والتضامن وليس التحيز الطائفي أو الديني.
أما بالنسبة لحزب الله اللبناني، الذي تأسس في الثمانينيات كحركة مقاومة اسلامية.وقد أدى هذا إلى تصور بين بعض اليساريين بأن دوافع حزب الله دينية بحتة وليست أممية. ومع ذلك، فإن هذه النظرة تتجاهل ارتباطات حزب الله بحركات المقاومة الأوسع نطاقًا. كان العديد من الشخصيات في حزب الله، مثل عماد مغنية، كانوا اعضاء سابقًا في الجناح اليساري لحركة فتح، بالإضافة إلى ذلك، هناك “مزاعم حول تعاون حزب الله مع الشيوعيين البيروفيين”، مما يزيد من تعقيد السرد التبسيطي الديني مقابل الأممي.
يعكس الحوثيون اليمنيون، أو أنصار الله، أيضًا هذا النهج غير الطائفي أيضا. حيث كان مؤسسها حسين بدر الدين الحوثي معارضا لحرب النظام اليمني ضد الحزب الاشتراكي اليمني في عام 1994 (كان الحوثي رئيس حزب الحق).كما ان تأثر مؤسسو أنصار الله بتيارات سياسية وأيديولوجية مختلفة، بما في ذلك مقاومة القمع المحلي والتدخلات الدولية. وينظر إلى تحالفهم مع إيران باعتباره جزءًا من استراتيجية أوسع للمقاومة ضد الإمبريالية والظلم المفترضين، وليس أجندة طائفية أو دينية بحتة.
الخلاصة:
يرى البعض أن دعم إيران لحركات المقاومة، ينبع فقط من التضامن الديني. لكن هذا الرأي يتجاهل العوامل الجيوسياسية التي توجه سياسات إيران الدولية. فإيران تدعم حركات وأطرافًا متعددة من مختلف الخلفيات الإيديولوجية والدينية والطائفية، استنادًا إلى مبادئ المقاومة ضد العدو المشترك.
نذير محمد – تونس