السودان سلة البشرية
السودان جرح غائر، السودان جرح آخر في هذا الجسد العربي المسلوخ حيا.
يقول الطيب صالح عن السودان:
“ألم تستقل البلاد؟؟ لكن كونوا على يقين أنهم سيديرون شؤوننا من بعيد لأنهم تركوا وراءهم من يفكرون مثلهم”، وقد سبقه الشهيد فرحات حشاد في 1949، حين قال: “المعركة اليوم ليست ضد المستعمر فهو زائل قريبا، إنها معركة طويلة ضدّ أبنائه الغير شرعيين وما أكثرهم”.
الصدام في السودان لم ينشأ فجأة، بل هو نتاج: التراكمات التاريخية من دارفور الى الانقسامات الإثنية والقبلية زيادة على هشاشة المؤسسات وغياب الدولة المركزية الفاعلة خاصة منذ سقوط البشير. التنافس على العاصمة والموانئ والموارد الاستراتيجية لم يهدئ أبدا.
يمكن أن نقول أنه داخليا صراع دولة لم تكتمل، وجيشين، ومراكز قوى متصارعة على السيادة والموارد، وخارجيًا ساحة اختبار في المعركة العالمية الجديدة على إفريقيا، خاصة البحر الأحمر والثروة الطاقية والموانئ.
في عرض عن السودان، تحدث المحلل الجيواستراتيجي سعيد بوعمامة عبر نافذة investigaction، والخص شيء مما جاء على لسانه:
في السودان المذبحة مروعة، في 26 أكتوبر/تشرين الأول، وبعد حصار دام 500 يوم، احتلت قوات الدعم السريع مدينة الفاشر، آخر مدينة رئيسية في غرب البلاد ثم لاقت مدينة بارا شمال كردفان، نفس المصير. ارتكبت قوات الدعم السريع: إعدامات جماعية، ونهب، واغتصاب جماعي، ما حدث فضيعا وفوق الوصف.
مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان كعادتها شاهدة على هذه الأحداث واكتفت بتوصيفه كجرائم حرب، المجازر أودت بحياة عشرات الآلاف وشردت الملايين منذ أفريل 2023، ووفقًا لمنسق برنامج الغذاء العالمي، عدد القتلى فاق 150 ألفًا، وحوالي 13 مليون نازح، و30 مليون شخص تحت خط الفقر، هم يمثلون أكثر من نصف إجمالي سكان السودان!!..
سحق الجنرالين المتصارعين ما عُرِف بثورة ديسمبر 2019. وحُلَّت النقابات العمالية والمنظمات الشعبية. حاول الاعلام الغربي تسويق ما يحدث في السودان على أنه صراع داخلي وصراع قديم بين السود والعرب، وغض الطرف عن حقيقة دور القوى الأجنبية المتصارعة على النفوذ الاقتصادي والأهمية الجيوستراتيجية للسودان. ورغم كل محاولات إخفاء الجرائم الغربية في السودان، وتسويق صورة لقارة متوحشة وفريسة لعنف مُترسخ في هويات وثقافة وطبيعة شعوبها، فان هذه السردية لم تصمد أمام الحقيقة في أن كلا الجنرالين المورطين في حرب الأهوال في السودان مدعومين بتسليح قوى أجنبية. فالهجوم الحالي الذي تشنه قوات الدعم السريع، وارتكبت فيه أبشع المجازر، ليس الا جزءًا من سياق أوسع لتسليم أسلحة ضخمة من قِبل الإمارات منذ الربيع الماضي. وكما كان الحال دائما مع امارة الرمال، هي ليست إلا واجهةً التدخل للقوى الغربية في البلدان وللكيان الصهيوني. صحيفة الغارديان البريطانية، كتبت: “هذه الاكتشافات تُعيد إشعال الجدل حول صادرات الأسلحة البريطانية إلى الإمارات العربية المتحدة، التي اتُهمت مرارًا بتزويد قوات الدعم السريع في السودان بالأسلحة. كما تُثير تساؤلات حول الدور المُحتمل للحكومة البريطانية في تفاقم الصراع”!!..
في المقابل تتلقى القوات المسلحة السودانية مساعدات عسكرية مُستدامة من تركيا، وهي خصم رئيسي للإمارات في صراعات عديدة. والدور التركي تقنيً وعملانيً واستراتيجيً حيث يشار هنا الى الامداد بمسيرات باكتارTB2 التي بها وقع استعادة عدة مناطق من البلاد، بما في ذلك الخرطوم وآبي. وأيضا مصر في مستوى تسليم الأسلحة لنفس الطرف.

المؤكد أن إنشاء قوات الدعم السريع وإدارةً موازيةً في دارفور يُثير خطر تقسيم جديد للسودان فوق التقسيم الذي أدى إلى ولادة جنوب السودان عام 2011 بدعم من الولايات المتحدة وقوى غربية ولنذكر بتصريح الرئيس السابق لجنوب السودان خلال زيارته للكيان “لولاكم لما كنا”.. لذا فان هذه الحرب ليست في الحقيقة إلا مشروع إقليمي ودولي إمبريالي، يهدف إلى تفكيك السودان وتقسيمه من جديد واستنزاف مقدرات الشعب وثروات البلاد.
السفير الفرنسي في السودان صرح باللسان: “تقسيم السودان انجاز وانتصار للدبلوماسية الامريكية والإسرائيلية!!!”..
في كتاب استراتيجيا الفوضى، تحدث ميشال كولون منذ بدايات الربيع العبري، عن دور الكيان في مواجهته لمصر على ارض السودان أو نيل السودان، بتسليح مليشيات سودانية تعمل على التقسيم والتفتيت، في تنفيذا دقيقا ومعلنا لخطة بلقنة السودان التي جاءت في مشروع “ينون” « Yenon »، منذ الثمانينات، وكان خطة مدروسة لكل البلاد العربية، هدفها: كيانات دينية ومذهبية واثنية وطائفية متقاتلة متصارعة الى حد الانقراض، (ويمكن الرجوع لوثيقة ينون، السودان مفردة بخطة كاملة).
وأختم تأكيدا لمقولة: “لنفهم التاريخ يجب أن نعرف الجغرافيا”:
السودان هو منفذًا على البحر الأحمر ومفتاح المرور بين العالم العربي وأفريقيا.
هو ثالث أكبر منتج للذهب في أفريقيا، بإنتاج سنوي يبلغ 100 طن،

هو ملايين الأطنان من احتياطيات الحديد والنحاس، هو الفضة بــ 1500 طن، هو احتياطات هائلة من اليورانيوم والمنجنيز والكروميت والجبس والمايكا والزنك والنيكل،
هو احتياطيات نفطية تقدر بحوالي 5 مليارات برميل، هو ثروة حيوانية ضخمة تصل إلى 103 ملايين رأس من الماشية وثروة سمكية ضخمة، هو أراضٍ صالحة للزراعة، تقدر بنحو 73.5 مليون هكتار.
السودان سلة العالم، لو يُزْرَع السودان ويُنْتِج، لن يجوع مخلوق على هذه البسيطة، لكن السودان الآن حريق يتمدد ويلتهم السودانيين أصحاب الحق والثروة والأرض وقطعا لن ينقذ السودان الا السودانيين.
هند يحي
