منْ غَزَّةَ إلى لُبْنَانَ وسُورِيَا، وُصُولًا إلى السُّودَانِ ومِصْرَ، وسَتَمْتَدُّ إلى غَيْرِها مِنَ الدُّوَلِ العَرَبِيَّةِ دُونَ شَكٍّ. فما الهَدَفُ وما حَقِيقَةُ ما يَجْرِي؟
بقلم:فاتنة علي،لبنان
الدِّعايةُ السِّياسِيَّةُ المُتَّبَعَةُ؛ شِعَارَاتٌ رَنَّانَةٌ تَتَحَدَّثُ عَنِ الدِّيمُقْراطِيَّةِ وَالأَمْنِ وَالسَّلامِ وَالِانْتِعَاشِ الاقْتِصَادِيِّ، كَأَنَّنا ذَاهِبُونَ إلى رَبيعٍ مُزْدَهِرٍ، بَيْنَما الحَقيقَةُ أَنَّنا سَنَشْهَدُ بَعْدَ الخَريفِ العَرَبِيِّ وَ«كَذِبَةِ الثَّوْراتِ» وَالتَّغَيُّراتِ شِتاءً قاسِيًا جِدًّا. إِنْ نَجَحَ هذَا المُخَطَّطُ، فَالْكِيَانُ اللَّقِيطُ يَبْحَثُ عَن أَمْنِهِ وَبَقَائِهِ، لَيْسَ إِلَّا، وَذلِكَ مِنْ خِلالِ إضْعافِ مُحِيطِهِ وَتَحْمِيلِ المُقَاوَماتِ مَسْؤُولِيَّةَ ما يَحْدُثُ مِنْ دِمَارٍ وَإِجْرَامٍ.
كَيْفَ سَيَتِمُّ ذلِكَ؟ الخُطَّةُ المُتَّبَعَةُ هِيَ شَكْلٌ جَدِيدٌ مِنْ أَشْكالِ الحَرْبِ. فَبَعْدَ الفَشَلِ العَسْكَرِيِّ في غَزَّةَ وَعَدَمِ إِمْكَانِيَّةِ تَحْقِيقِ أَيِّ هَدَفٍ مُعْلَنٍ مِنْ أَهْدافِ الحَرْبِ، سَوَاءٌ بِالقَضاءِ عَلَى حَمَاسَ أَوْ تَهْجِيرِ سُكَّانِ غَزَّةَ، وَالوَضْعُ نَفْسُهُ في لُبْنَانَ — فَشَلٌ بَرِّيٌّ وَعَجْزٌ عَنِ إِنْهاءِ حِزْبِ الله — خَرَجَتْ عَنَاوِينُ نَزْعِ السِّلاحِ وَالِاسْتِثْمَاراتِ وَغَيْرُها. وَمِنْ هُنَا تَنْبَثِقُ النِّيَّةُ الأَسَاسِيَّةُ لِلْكِيَانِ، وَهِيَ إِضْعافُ الدُّوَلِ المُحِيطَةِ بِهِ وَالضَّغْطُ بِهذَا الشَّكْلِ لِاسْتِغْلالِ الوَقْتِ، خَوْفًا مِنْ نُشُوبِ حَرْبٍ أُورُوبِّيَّةٍ قَرِيبًا تَقْطَعُ عَنْهُ الدَّعْمَ المَفْتُوحَ الَّذِي يَحْظَى بِهِ مِنْ بَعْضِ الدُّوَلِ حَالِيًّا.
هُوَ في سِبَاقٍ مَعَ الوَقْتِ. الهَدَفُ: التَّرْكِيزُ عَلَى القَضاءِ عَلَى فِكْرِ المُقَاوَمَةِ، وَحَتّى إِلْهاءِ الجِيلِ الجَدِيدِ بِأَوْهَامِ الحَداثَةِ وَالنَّهْضَة، لِيَنْسَى مَشَاعِرَ الثَّأْرِ حِيَالَ ما حَصَلَ فِي السَّنَتَيْنِ الأَخِيرَتَيْنِ تَحْدِيدًا، رَغْمَ أَنَّ الإِجْرَامَ قَدِيمٌ، وَلَكِنَّ السَّنَوَاتِ الأَخِيرَةَ كَانَتْ الأَشَدَّ تَأْثِيرًا، فَالصُّورَة وَصَلَتْ لِشُعُوبِ الأَرْضِ قَاطِبَةً. فَمَنْ يَمْسَحُ مِنْ ذاكرَةِ الطِّفْلِ الغَزّاويِّ أَوِ الجَنُوبِيِّ مَا رَأَى؟ بَعْضُ هَؤُلاءِ الأَطْفَالِ شَاهَدُوا مَوْتَ أَهْلِهِمْ بِأُمِّ أعَيْنِهِمْ، وَهذَا المَشْهَدُ، رَغْمَ أَلَمِهِ الكَبِيرِ، إِلَّا أَنَّهُ الأَخَطَرُ عَلَى وُجُودِ «إِسْرَائِيلَ». لِذلِكَ هِيَ تَعْمَلُ إِمّا عَلَى تَهْجِيرِهِمْ لِتُبْعِدَهُمْ عَنْهَا، وَإِمّا إِلْهَائِهِمْ أَوْ إِبْقَاءَهُمْ فِي أَشَدِّ حَالاتِ ضَعْفِهِمْ.
انْطلاقًا مِنْ ما سَابَقَ، نَفْهَمُ لِمَ كَانَتْ حَرْبُ الإِبَادَةِ وَالدِّمَارِ بِأَقْسَى صُوَرِهَا: كَانَ هذَا مُتَعَمَّدًا لِيُفْقِدَ الشَّعْبَ الفِلَسْطِينِيَّ واللُّبْنَانِيَّ تَحْدِيدًا القُدْرَةَ عَلَى المُقَاوَمَةِ وَإِحْدَاث صَدْمَة كَبِيرَة تَلْغِي هذِهِ الصُّورَةَ. وَبِمَا أَنَّ النَّتَائِجَ كَانَتْ عَكْسِيَّةً، لَجَأَ إِلَى إِيقافِ الحَرْبِ وَاتَّخَذَ مِنَ الانْتِهَكاتِ نَهْجًا؛ هَكَذَا يَكُونُ قَدْ أَسْكَتَ الشُّعُوبَ الغَرْبِيَّةَ الَّتِي رَأَتِ الحَقائِقَ، وَاسْتَمَرَّ بِمُخَطَّطَتِهِ بِطَرِيقَةٍ نَاعِمَةٍ مَدْعُومَةٍ بِالذُّرَائِعِ.
أَتتِ الوَعود بِالحُلُولِ عِنْدَمَا يُنْزَعُ السِّلاحُ كَوَهْمٍ بِالخَلَاصِ، وَالبَعْضُ صَدَّقَ بِبُسَاطَتِهِ. أَمّا البَعْضُ الآخَرُ فَتَمَاشَى بِنَجَاسَتِهِ لِدَرَجَةٍ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بَدِيلًا فِي حالِ اسْتِمْرارِ الفَشَلِ. بِالتَّهْجِيرِ وَنَزْعِ السِّلاحِ ، الكيان سَيَسْتَخْدِمُ أَدَوَاتِهِ الدَّاخِلِيَّةَ لِلتَّجْيِيشِ وَالاِقْتِتالِ الدَّاخِلِيِّ، الَّذِي لَيْسَ مِنْ مَصْلَحَةِ أَحَدٍ سِوَاهُ.
وَلِتَكْمُلِ الخُطَّةُ، لا بُدَّ مِنْ اسْتِخْدامِ الدِّينِ لِتَفْكِيكِ العَقِيدَةِ وَالفِكْرِ الجِهَادِيِّ وَالتَّرْوِيجِ لِلسَّلامِ الكاذِبِ. وَلَعَلَّ هذَا أَبْرَزُ مَا يُتَرْجِمُ الحَمْلَةَ عَلَى إِتِّفَاقِيَّةِ «إِبْراهِيمَ».
فَهَلْ سَتَكُونُ خُطْوَةُ الكِيَانِ القَادِمَةُ فَتْحَ حَرْبٍ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ جَبْهَةٍ (اليَمَنِ، غَزَّةَ، لُبْنَانَ)؟
وهَلْ لَهُ القُدْرَةُ عَلَى ذلِكَ؟
كُلُّ المُؤَشِّرَاتِ تَقُولُ بِأَنَّ الاسْتِفْزَازاتِ، مِنْ خِلالِ القَصْفِ المُتَكَرِّرِ وَالاغْتِيالاتِ، هِيَ لِجَرِّ الطَّرَفِ الآخَرِ لِتَوْقِيتٍ يَحْدِدُهُ الكِيَانُ. فَمَاذَا لَوْ كَانَتْ نُقْطَةُ البِدَايَةِ عَكْسَ مَا يُتَوَقَّعُ؟
(بتوقيتنا لا بتوقيتهم )
