حين تهمس الأرض للسماء

دُعاء أبوطالب

إلى الأرواح التي ارتفعت ولم تغب،
إلى من جعلوا من دمائهم جسورًا نعبر بها نحو الكرامة،
إلى الشهداء الذين علّمونا أن الحياة لا تُقاس بالسنين، بل بالمواقف.

في لحظةٍ لا تُقاس بالزمن، حين يشتد الظلم وتضيق الأرض بما رحبت، ينهض رجلٌ لا يحمل سوى يقينه، ويخطو نحو الخلود.
لا درع له سوى إيمانه، ولا سلاح إلا صدق النية، ولا زاد إلا شوقه للقاء ربه.

يمضي، لا يلتفت، كأنما يسمع نداءً لا يسمعه غيره.
تتساقط من حوله الأصوات، وتغيب الوجوه، ويبقى في قلبه نورٌ لا ينطفئ.

وحين تسقط روحه، لا تسقط إلى الأرض، بل ترتفع…
ترتفع خفيفة، طاهرة، كأنها تعرف الطريق إلى العرش.
هناك، حيث لا يُسأل عن اسمه، بل عن صدقه.
وهناك، يُقال له: “ادخل من أي أبواب الجنة شئت”.

الشهيد لا يموت، بل يوقظ الحياة.
دمه ليس نهاية، بل بداية لزمنٍ لا يعرف الذل.
هو من باع الدنيا، فاشترى الأبد.
هو من سقط جسده، فنهضت أمة.

وحين يُكتب اسم الشهيد في سجل الخالدين، لا يُكتب بحبرٍ، بل يُخطّ بدمٍ طاهرٍ، لا يجفّ.
دمٌ لا يُلطّخ، بل يُطهّر.
دمٌ لا يُنسى، بل يُروى به تراب الأوطان، وتُسقى به جذور الكرامة.

الشهيد لا يُشيّع إلى قبر، بل يُزفّ إلى السماء.
تستقبله الملائكة، وتُفتح له أبواب الجنة، ويُقال له:
“سلامٌ عليك بما صبرت، فنِعمَ عقبى الدار.”

هو ليس مجرد جسدٍ غاب، بل فكرةٌ بقيت، وروحٌ تُلهم، وصوتٌ لا يخفت.
هو من علّمنا أن الحياة لا تُقاس بطولها، بل بعمقها.
وأن الموت في سبيل الحق، حياةٌ لا تنتهي.

الشهيد لا يُرثى، بل يُحتفى به.
لا يُبكى عليه، بل يُبتهج له.
فهو حيٌّ عند ربّه، يُرزق، ويضحك، ويشفع، ويُكرم.

وفي نهاية الحكاية، لا تُطوى صفحة الشهيد، بل تُفتح صفحات جديدة في قلوب الأحرار.
هو الغائب الحاضر، الذي لا يُنسى، ولا يُمحى، ولا يُغيب صوته عن ضمير الأمة.
كل قطرة من دمه نبتت فيها شجرة عز، وكل صرخة في لحظة رحيله أصبحت نشيدًا يُتلى في ساحات الكرامة.

الشهيد لا يُرثى، بل يُروى.
لا يُدفن، بل يُزرع في ذاكرة الأجيال.
هو من علّمنا أن الموت في سبيل الحق حياة، وأن طريق الجنة يبدأ بخطوة صدق.

فطوبى لمن اختاره الله، وطوبى لمن سار على أثره، وطوبى للأرض التي احتضنت جسده، وارتفعت بروحه إلى السماء.