ـ تركيا بين الفرص الاستراتيجية والتناقضات السياسية
في ظل الانشغال الأمريكي بملفات الشرق الأوسط، ولا سيما حرب غزة ولبنان، شهدت الفترة الأخيرة حالة من الجمود في ملف الحرب الأوكرانية – الروسية. إدارة ترامب، رغم إعلان اهتمامها بالملف، و باتت تطلب من أوكرانيا المزيد من التنازلات، دون اتخاذ خطوات فعلية لوقف التصعيد أو دفع العملية الدبلوماسية إلى الأمام. في المقابل، قامت ألمانيا، بتقديم طلب لأنقرة بإسم اوروبا، للعب دور الوسيط لحل الأزمة، سعياً للتوصل إلى لقاء يجمع بين الرئيس الروسي بوتين ونظيره الأوكراني زيلينسكي، فقبلت أنقرة هذه المهمة .
تركيا والوساطة الأوروبية: فرصة أم خطوة استراتيجية؟
قبول تركيا بالوساطة لم يكن مجرد التزام دبلوماسي، بل يمثل فرصة استراتيجية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإعادة تركيا إلى الصدارة الجيوسياسية الأوروبية. تركيا، الدولة الوحيدة التي تمتلك السيادة القانونية على المضائق البحرية التي تصل البحر الأسود بالبحر الأبيض المتوسط، تجد نفسها في موقع قوة فريد يمكنها من المناورة بين المعسكرين: الشرق بقيادة روسيا والصين وحلفائهم الإقليميين مثل إيران، والغرب بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا.
هذه المكانة الجغرافية والسياسية تمنح تركيا القدرة على استغلال الصراع الأوكراني – الروسي لتعزيز نفوذها، خصوصًا بعد أن قلصت روسيا نفوذ أنقرة في سوريا. ومن الأمثلة على ذلك السماح بعبور أول سفينة أوكرانية إلى البحر الأسود، في رسالة واضحة بأن تركيا قادرة على توجيه الصراعات البحرية لصالح موقعها الاستراتيجي.
بالتالي الرسالة إلى موسكو وصلت خاصرتك غير محمية .
التناقضات في السياسة التركية: بين الدعم والمقاومة
أردوغان يحاول دائمًا تصوير تركيا كداعم للمقاومة، خصوصًا في غزة، بينما تُظهر الوقائع أن أنقرة قدمت دعمًا مباشرًا للكيان الإسرائيلي، خلال الحرب على غزة. هذه التناقضات تكشف استراتيجية مزدوجة: تركيا تلعب دور الوسيط بين حماس وإسرائيل، لكنها في الوقت نفسه تحافظ على مصالحها السورية وتعزز علاقاتها مع نظام دمشق، الأمر الذي يوضح حرصها على النفوذ الإقليمي أكثر من الالتزام بمواقف سياسية ثابتة (سياسة مصلحة لا مبدأ)
الطموحات الاقتصادية والعسكرية: رسالة للغرب
على الجانب العسكري، تحاول تركيا تعزيز مكانتها من خلال مشاريع محلية ضخمة، مثل تصنيع أكبر حاملة طائرات مسيرة في العالم، في رسالة واضحة للولايات المتحدة بعد رفض طلبها الحصول على طائرات F-35. هذا التوجه يعكس طموحات أردوغان في جعل تركيا لاعباً لا يمكن تجاهله على الصعيدين العسكري والاقتصادي، مستفيدًا من انشغال امريكا (باسرائيل).
الفرص الذهبية وأهداف أردوغان
من خلال الوساطة في الملف الأوكراني، يسعى أردوغان لتحقيق عدة أهداف متزامنة:
- إعادة تركيا إلى قلب السياسات الأوروبية عبر دور الوسيط الاستراتيجي.
- تعزيز النفوذ البحري في البحر الأسود، بما يتيح له الضغط على روسيا والتأثير على الملفات الإقليمية الأخرى مثل سوريا واليونان وقبرص.
- التوازن بين المعسكرين الشرقي والغربي، مستفيدًا من الانشغالات الأمريكية. لعبة النفوذ والتناقضات
السياسة التركية، تحت قيادة أردوغان، مليئة بالتناقضات؛ فهي وساطة بين حماس وإسرائيل وكأنها داعمة للمقاومة، وفي الوقت نفسه مصالح استراتيجية في سوريا، ودعم ضمني لإسرائيل، مع طموحات اقتصادية وعسكرية لتعزيز نفوذها في أوروبا. هذا المزيج من الفرص والتناقضات يجعل تركيا لاعباً رئيسياً على الساحة الدولية، لكنها أيضًا دولة يصعب التنبؤ بمسارها القادم.
(فأحلام السلطنة لم تفارق اردوغان يوماً)
بالنهاية، يبقى السؤال: هل سيستطيع أردوغان الحفاظ على هذا التوازن المعقد، أم أن التناقضات الداخلية والخارجية ستحد من قدرته على المناورة؟
وهل ستسمح أمريكا لتركيا بملئ مكانها في أوروبا ؟
وماهو موقف روسيا من هذه المتغيرات ، وكيف ستفاوض اردوغان على هذا الموضوع ؟
الأيام المقبلة ستجيب على هذه التساؤلات…
والغاية من طرحها تحفيز العقل ورؤية الصورة الجغرافية بوضوح فإننا انتقلنا فعلاً من صراع على النفط إلى الصراع على الممرات المائية في البحار فمن سيغدو ملكها ؟
فاتنة علي_لبنان
