لماذا يتخوّف الكيان الصهيوني والأمريكي من الطبيعة الجغرافية لليمن ومواجهة رجاله البواسل؟
طوفان الجنيد.
إنّ من تابع التغيّرات والأحداث الجيوسياسية في منطقة البحر الأحمر والبحر العربي، وكيف استطاع اليمنيون أن يُثبتوا قدراتهم الفائقة على فرض السيادة الكاملة على الممرات البحرية اليمنية والدولية، سيقف بإجلالٍ وإعظام أمام هذا الشعب اليمني الحرّ الأبيّ المؤمن، العويز بتاريخه الممتدّ إلى عمق الأصالة والحضارة المتجذّرة عبر العصور القديمة ولعدة قرون متتالية.
وكذلك من تابع الأحداث الأخيرة وتفاصيل المعركة الإسنادية لأهل غزة، وكيف فرضت اليمن نفسها بقوة كلاعبٍ استراتيجي لا يُستهان به، سيدرك أن ما سطّره اليمنيون وما كتبوه من تاريخٍ على مدى عامين، جعل من اليمن — رغم إمكاناته الاقتصادية المحدودة — مصدرَ قلقٍ دائمٍ للكيان الصهيوني والولايات المتحدة على حدٍّ سواء.
وللإجابة على السؤال السابق وتفصيلها، فإنّ السرّ يكمن في المعادلة الثلاثية: الجغرافيا الاستراتيجية، والعامل البشري المقاتل، والإرادة الإيمانية والسياسية.
أولاً: اليمن البوابة الجنوبية للعالم وموقعها الجغرافي الذي يحكم الاقتصاد العالمي
ليست المقولة الشهيرة: “إن من يسيطر على اليمن وعلى باب المندب، يمسك بخناق الاقتصاد العالمي” مجرد كلماتٍ إنشائية، بل هي حقيقة جيوسياسية صارمة.
فعندما سيطر أنصار الله في اليمن على مضيق باب المندب، وامتلكوا السيادة عليه — وهو أحد أهم الممرات المائية الحيوية في العالم — تغيّر ميزان القوى البحري والاقتصادي، إذ تمر عبره نحو 30٪ من تجارة العالم النفطية، وأعدادٌ هائلة من السفن التجارية والحاويات.
وأيّ تهديدٍ لهذا المضيق يعني اضطراباً فورياً في أسواق الطاقة العالمية، وارتفاعاً جنونياً في أسعار النفط وتكاليف الشحن، مما يضرب الاقتصادات الكبرى في مقتل.
لقد أثبتت القوات المسلحة اليمنية قدرتها الاستراتيجية من خلال فرض الحظر الملاحي وتهديدها المباشر للكيان الصهيوني الذي يعتمد على حرية الملاحة من وإلى ميناء إيلات عبر البحر الأحمر، واستطاعت بدقةٍ عالية استهداف السفن الصهيونية أو تلك المتجهة إلى الكيان، مُكبّدةً إياه خسائر اقتصادية فادحة.
كما أثبتت القوات المسلحة اليمنية مدى صلابتها وتقنياتها المتطورة في مواجهة الأسطول البحري الأمريكي بكامل بوارجه وفرقاطاته وحاملات طائراته، فكانت القلعة الحصينة والرادعة لكل قوى العدوان، القادرة على إجبارها على التراجع والانسحاب.
ثانيًا: الرجال البواسل — العامل البشري الذي يحوّل الجغرافيا إلى سلاح:
العامل البشري اليمني هو المضمار الأكثر إرباكاً لأعداء اليمن، لما يمتلكه من قدراتٍ قتالية فائقة ومروءةٍ نادرة.
فالشعب اليمني معروفٌ تاريخياً بالشجاعة والبأس في المواجهة، وبقدرته على التحمّل وخوض الحروب بأساليب الكرّ والفرّ، ومهاراتٍ عاليةٍ مقترنة بعقيدةٍ قتاليةٍ قائمةٍ على الإيمان بالقضية.
هذه العقيدة تجعل الجيوش المعتدية عاجزةً أمامه، إذ يفقد الخصم مزاياه التكنولوجية عندما يواجه مقاتلاً يحمل الإيمان في صدره لا السلاح فقط.
كما أثبتت سنوات الحرب القدرة المذهلة على الابتكار العسكري المحلي، حيث استطاعت القوات المسلحة اليمنية — بقيادة قائد الثورة سماحة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي (سلام الله عليه ويحفظه الله) — تطوير صناعة عسكرية وطنية متكاملة:
من الصواريخ الباليستية والمجنّحة إلى الطائرات المسيّرة والزوارق البحرية الهجومية.
وهذه الصناعة المحلية جعلت من الصعب جداً كبح قدرات اليمن أو شلّها عبر الحصار والعقوبات.
ثالثًا: اليمن يغيّر موازين القوى الإقليمية:
تحوّل اليمن من ساحة معركة إلى قوةٍ إقليميةٍ فاعلةٍ تفرض شروطها وتعيد رسم الخارطة الجيوسياسية للمنطقة.
لقد تمكنت القوات المسلحة اليمنية من ترسيخ قوة ردعٍ استراتيجيةٍ حقيقية، بفضل ضرباتها الصاروخية الدقيقة، سواء باستهداف العمق السعودي والإماراتي، أو السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني، لتُرسّخ مبدأ الثمن الباهظ.
لم يعد بمقدور أيّ طرفٍ الاعتداء على اليمن دون أن يدفع ثمنًا مباشرًا ومؤلمًا.
بل إن اليمن اخترق ما كان يُسمّى بـ”الحصانة الإسرائيلية”، فكسر الهيبة التي بنتها “إسرائيل” لعقودٍ طويلة، وأثبت أن الجغرافيا البعيدة لم تعد حاجزًا أمام إرادة المقاتل اليمني وبأسه.
الخاتمة:
إنّ التخوّفات الأمريكية والصهيونية من اليمن ليست مجرد ردّ فعلٍ تكتيكيٍّ مؤقت، بل هي إدراكٌ عميقٌ لخطرٍ استراتيجيٍّ دائم.
فهم يدركون أن المعادلة اليمنية اكتملت: جغرافيا لا يمكن تجاوزها، وشعب لا يمكن قهره، وإرادة لا يمكن شراؤها.
اليمن، بقوة رجاله البواسل وموقعه الجغرافي الحاكم، لم يعد ساحةً للصراع، بل أصبح محركاً رئيسياً له، يفرض واقعًا جديدًا في المنطقة ويقلب موازين القوى رأساً على عقب.
لقد أثبت أن إرادة الشعوب لا تُقهر، وحين تلتقي هذه الإرادة بالوعي الإيماني، فإنها لا تنتظر التاريخ بل تصنعه.
