تفكيك سردية فشل خيار المقاومة
الإثنين  2025/10/13

بقلم:أ.ناصر قنديل

– لا يحتاج المتابع إلى أدلة على وجود أمر عمليات تمّ توزيعه على مئات كتاب والمغردين والمتحدثين على القنوات الفضائية، لتوزيع وتسويق سردية تقول “إن خيار المقاومة قد فشل، وإن ما جرى في طوفان الأقصى فلسطينياً وفي جهة الإسناد لبنانياً، كافٍ لإعلان فشل خيار المقاومة، وإن لم يكن سبباً لمساءلة قادة المقاومة على ما تسببوا به من كوارث وما جلبوه من مصائب، فعلى الأقل يجب أن يكون سبباً لسحب الثقة بخيارهم الذي تبجحوا به وزعموا له انتصارات إلهية، وهم فشلوا في ردع الاحتلال وفشلوا في إثبات نظريتهم عن القدرة على تحقيق الانتصار، بل منحوا “إسرائيل” الفرصة لتظهير قوتها وفرض إرادتها، ووفروا لها شرعية تدمير أوطان وإبادة شعوب، بينما حققت الدول العربية التي يتهمونها بالتخاذل ما فشل كل محور المقاومة بتحقيقه، سواء عبر العلاقات التي وظفتها الدول العربية مع الرئيس الأميركي ومع دول أوروبا لما أمكن فتح الطريق لوقف الحرب من جهة، أو عبر فتح الطريق لمسار سياسي يجلب بعض الحقوق للشعب الفلسطيني بدأت بالاعتراف بدولة فلسطين ضمن توافق عالميّ واسع اسمه تحالف حل الدولتين، من جهة ثانية”.
– تستحق هذه السردية التي تنتشر على كل منصات الإعلام التقليدي ووسائل التواصل الاجتماعي النقاش الهادئ بالوقائع، وبغير لغة التنمّر الي يتحدث بها أصحابها، ولذلك نبدأ بالسؤال عما إذا كانت المشكلة في المنطقة هي بما تقوم به المقاومة وتقدم الذريعة للاحتلال، بحيث يتم عبر سحب سلاح المقاومة، سحب الذريعة وضمان الأمن والأمان والسيادة والاستقرار، وكي لا نضيع الوقت ونشتت البحث نسأل هل في سورية بعد إسقاط النظام السابق مقاومة، وهل من ذريعة يقدمها النظام الجديد، أم أن النظام الجديد يستوفي كامل الشروط التي يدعو إليها أصحاب السردية ويقولون إنها قاطعة مانعة، ووصفة لا تخطئ لضمان الأمن والأمان، فحكام سورية الجدد أخرجوا المقاومة من سورية وقطعوا طريق إمدادها، وأقفلوا مكاتب المنظمات الفلسطينية بما في ذلك المنظمات الأقرب عقائدياً لهم، ووضعوا قادة بعضها في السجون، وتركوا الاحتلال يدمّر كل مقدرات بلدهم العسكرية، وبنوا سياستهم على تحالفات واضحة مع أصدقاء واشنطن حصرياً، من تركيا عضو الناتو، الى دول الخليج مانحة التريليونات للرئيس الأميركي، وحاكم سورية الجديد كما يقول إعلامه يحظى بمكانة خاصة لدى الإدارة الأميركية، وهو يجاهر بأنه سوف يمنع أي محاولة لإلحاق الأذى بأمن “إسرائيل” من الأراضي السورية، بل انه اعتبر أنه و”إسرائيل” يملكان أعداء مشتركين هم إيران وحزب الله كما نقل عنه أعضاء في الكونغرس الأميركي، ويكاد يصبح الابن المدلل للمبعوث الأميركي توماس برّاك، لكن كل ذلك لم يوفر تجنيب سورية مرارة كأس الاعتداء والتوسّع دون أن تحتاج “إسرائيل” الى ذريعة، بل الى مشروع يقول بالتوسع وبسط السيطرة حيث تتيح موازين القوى، ولذلك رغم أن عدواة “إسرائيل” معلنة للنظام السابق فقد كان سقف اعتداءاتها أدنى، والسبب فارق حسابات القوة فقط.
– إذا كان أكيداً أن “إسرائيل” تحمل مشروعاً، لا يفيد في التملّص منه سحب الذرائع، بل ربما يزيد اندفاعه التخلص من أسباب القوة إذا اعتبرها أصحابها ذرائع، كما جرى مع سورية التي تساهلت مع تدمير دفاعاتها الجوية بعدما كانت هذه الدفاعات قد أسقطت علم 2018 طائرة إف 16 إسرائيلية، فهل تفيد العلاقات العربية والدولية، وهي لم تنفع في حالة سورية، وواشنطن التي رفعت العقوبات عن نظام سورية الجديد لم تضع ثقلها لمنع العدوان الإسرائيلي عنه لأن ما لـ”إسرائيل” ليس لسواها في المنطقة في حسابات واشنطن، ولا يمنع الخطر الرهان على اتفاقات، لن تمنح “إسرائيل” أكثر مما نالته في اتفاقات أوسلو أو في اتفاق 17 أيار مع لبنان، وفي كل مرة كان اتفاق يلزم “إسرائيل” بالانسحاب ووقف العدوان تنصّلت من التزاماتها، واستخدمت الاتفاقات غطاء للتوسّع كما فعل الاستيطان في ظل اتفاقات أوسلو، وليس غير امتلاك القوة من سبيل لجعل “إسرائيل” تقيم حسابات الربح والخسارة، وهذا ما يقوله انتظار “إسرائيل” لعقود حتى شنت فيها حروبها الضارية على مقاومة لبنان وفلسطين، نفقتها على بناء خطط وتحشيد إمكانات وتحقيق اختراقات تتضمّن لها فرصة أفضل لتحقيق الانتصار.
– ما كشفته الحرب من خطط وجهود وتحضيرات من اختراق واغتيالات وتفجير البيجر وسواها، يؤكد أنها خططت للحرب وأجرت مناوراتها للفوز بها، وليس فقط لإلحاق أذى كبير بقوى المقاومة وشعبها، وهي إن نجحت في إلحاق الأذى كبير، فإن السؤال يبقى حول ما تريد تحقيقه من الحرب حتى يكون نصراً؟ والجواب واضح في ما كشفه الكلام الأميركي والإسرائيلي في لحظة الذروة من الضربات التي وجهتها للمقاومة في غزة ولبنان، والأهداف المعلنة هي تهجير سكان غزة فلسطينياً والوصول إلى نهر الليطاني لبنانياً، وهذا ما يبرر حشد خمس فرق على حدود لبنان، وهو ما أعلنه قادة كيان الاحتلال في بداية الحرب

بعد الاغتيالات والضربات المؤلمة، وما يفسّره إصرار الرئيس الأميركي على مشروع ريفيرا غزة، وإعلان مشروع الجنرالات ليشمل غزة، وبناء ما سُمّي بمدينة إنسانية في رفح بهدف تجميع النازحين تمهيداً لترحيلهم، ولأجل ذلك كانت المرحلة الأخيرة من الحرب الممتدة لسبعة شهور، وكانت حرب الإبادة وحرب التجويع، ويمكن أي عاقل لم تصبه لوثة في رأسه ولم يصبه التلوّث في جيبه، أن يعرف أن صرف النظر عن التهجير وعن الوصول إلى الليطاني لم يكن كرماً ولا إنسانيّة، بل عجز أمام صمود المقاومة وشعبها في لبنان وغزة، فكيف يستقيم الحديث عن فشل المقاومة؟
– يمكن القول إن المقاومة لم تحقق نصراً كاملاً، لكنها كمقاومة معنية بإفشال مخططات الاحتلال نجحت، رغم ما تكبّدت من كلفة عالية، ولولا صمود المقاومة لما صمد الشعب، ولولا صمود الشعب وتضحياته لما نهضت شعوب العالم في الغرب خصوصاً، وجعلت كلفة حرب الإبادة أعلى من عائدات لم يتحقق منها شيء، ولولا هذا النهوض لما كانت الاعترافات بدولة فلسطين ولا كان تدخل الرئيس الأميركي لوقف الحرب والتسليم ببقاء سكان غزة في أرضهم، وفي لبنان لولا قوة المقاومة كان الاحتلال يتصرّف في جغرافيا لبنان كما يتصرف في جغرافيا سورية، حيث لا مقاومة ولا مَن يحزنون، والتباهي بالإنجازات لحساب النظام العربي محض تزوير، فالاعتراف بدولة فلسطين فرضته الشعوب التي أنهضها ثبات المقاومة وشعبها في غزة، ووقف الحرب فرضه ثبات المقاومة الذي جعل كلفة حرب الابادة أعلى من عائدات متوقعة باتت تعادل صفراً.
– الحديث عن فشل خيار المقاومة والدعوة للبحث عن بديل واقعي تحت شعار الدبلوماسية كذبة كبيرة، لأن المقصود هو بوضوح الاستسلام، لأن سقف ما يمكن تحصيله من الدبلوماسية، كما قال رئيس حكومة لبنان الذي يتبناها بقوة، هو صدور إدانة عن مجلس الأمن، إذا نزع سلاح المقاومة ولم تنفذ “إسرائيل” التزاماتها، وتصدر الإدانة ويحتفل لبنان بها، لكن الأرض تبقى مع الاحتلال، والشعب يبقى تحت رحمة عدوان المحتل، فيصير الحل الدبلوماسي مجرد قناع تجميلي للتخلي عن الأرض وقبول تهجير الشعب، والتساكن مع تمدد الاحتلال وتوسعه حيث يرغب الاحتلال بالوصول، دون أن يجد من يردعه أو يمنعه.
– وقف الحرب على غزة بداية التراجع الاستراتيجي للاحتلال، عبر الاعتراف بمحدودية قدرة القوة مهما كان جبروتها وتوحشها، على تحقيق الأهداف، والاعتراف بأن اللاتوازن في القدرات بين الاحتلال والمقاومة لا يُحرم المقاومة من فرص إجهاض أهداف الاحتلال وفرض مسار معاكس للحرب لمشيئته، بقوة عظيمة التضحيات وعظيمة الصبر وعظيمة الإرادة.
– لا حاجة لتذكير أصحاب سردية فشل المقاومة بما تحقق على يديها خلال عقود مضت، وتذكيرهم بأن الحرب لم تنته بعد، وتذكيرهم بأن صاحب المشروع في المنطقة هو العدوان الأميركي الإسرائيلي، ومهمة المقاومة منعه من تحقيق أهدافه، بحيث إن الاحتلال يهزم عندما لا يحقق النصر المطلق، والمقاومة تنتصر عندما لا تلحق بها الهزيمة الكاملة.