زياد زكريا – الأردن
فعلاً إن شر البلية ما يضحك ، وما يضحك أكثر هو توزيع الأدلة على وجود المهازل بأنواعها مطيبة بالتفاخر والتبجح والكذب في تناقضات كان يفترض بالأمم المتحدة تذويبها فإذا هي تفجرها وتقدم مثالاً صارخاً على التعامل بإزدواجية مع الدول المختلفة ، ومثال صارخ على لما آلت إليه الأمم المتحدة من إنحدار ، والفرق بين أهدافها من جهة وبين أفعالها وإنجازاتها من جهة أخرى . هذه التناقضات تجلت بوضوح في التعامل مع رؤساء الدول المختلفين ، ليس بمكيالين فقط بل بعدة مكاييل تناسب كل دولة وكل رئيس بحسب وزنه وعرقه وإرتباطاته مع قوى الإستكبار وقوى الظلام والمصالح والمؤامرات الدولية ، وتحديداً؛
1. فلاديمير بوتين رئيس دولة روسيا الإتحادية ، رئيس دولة عظمى، عضو دائم في مجلس الأمن وسليل إمبراطورية ضخمة تاريخياً وجغرافيا ، ووريث دولة كانت تحسب لها دول العالم ألف حساب لا يستطيع دخول الولايات المتحدة الأمريكية وحضور إجتماعات الأمم المتحدة وتلفق له تهمة باطلة بجرائم حرب مزعومة عن خطف أطفال ونقلهم إلى روسيا الإتحادية ، وذلك دون الأخذ بعين الإعتبار أن أراضي منطقة الدونباس (دونيتسك وخيرسون ولوهانسك وزاباروجيا) كانت قد إنضمت لروسيا الإتحادية رسمياً ، أي أنه فعلياً لا يوجد نقل أطفال من دولة لأخرى ، وبالنظر إلى الحقائق فقد بدأت العملية العسكرية الروسية الخاصة بتاريخ 24/02/2023 وقدمت أوكرانيا ملفها المفبرك إلى محكمة الجنايات الدولية بتاريخ 26/02/2023 أي بعد يومين فقط مدعية أنه تم نقل 19500 طفل خارج وطنهم كما لو أن هؤلاء الأطفال كانوا يصطفون بإنتظار خطفهم ونقلهم وأن هناك 20000 أسرة لديها أطفال تخلت عنهم ، وهو ما يجافي المنطق والواقع أن هؤلاء الأطفال كانوا قد إنتقلوا مع أهاليهم خارج مناطق القتال إلى مناطق أكثر أمناً هيأتها لهم روسيا الإتحادية بالإضافة إلى 400 طفل يتيم من دور الأيتام المغلقة بسبب الحرب ثم تم تبنيهم من قبل أسر روسية ، وهذا يعني أن التهمة مفبركة من أساسها ولكن لا أحد يدقق.
2. بنيامين نتنياهو رئيس كيان مصطنع وصادر ضده أوامر توقيف بجرائم حرب إبادة ضد المدنيين العزل تسببت ب 200،000 ضحية منهم ما يزيد عن 60،000 شهيد يشمل 20،000 طفل خلال سنتين ، وليس يومين، وتدمير متعمد للمستشفيات والمدارس ودور العبادة وتهجير ما يقارب مليوني مواطن من بيوتهم ومناطق سكنهم ولا زال يسرح ويمرح ويدخل نيويورك ويخرج منها كما يهوى دون أن يوقفه أحد ودون أن يحسب حساب أحد مدعوماً من دولة الظلم والعدوان ورئيسها الكذاب.
3. دونالد ترامب رئيس إمبراطورية الشر وأقوى دولة في العالم عسكرياً وإقتصادياً يصول ويجول في الهيئة العامة للأمم المتحدة ، نرجسي وكذاب من الدرجة الممتازة ويبدو أن مثله الأعلى هو جوبلز الذي نصحه بالكذب حتى يصدق نفسه ، وغالباً أن قواه العقلية غير مستقرة ، يتبنى أكاذيب نتنياهو والكيان ويطالب بجائزة نوبل للسلام لأنه أوقف سبعة حروب لا يعرف أحد أين تقع بينما أنه من المفترض أن يمنح جائزة جديدة يتم إختراعها خصيصاً له وهي “جائزة نوبل في الكذب”، يعتقد أنه الوحيد الذي يقوم بأي عمل مفيد ويقزم الآخرين ومنهم رؤساء سابقين لدولته ، يتجاوز أبسط قواعد اللباقة والدبلوماسية ويوزع الإهانات يمنة ويسرة، يتعامل مع الأمم المتحدة كأنها كلبه المطيع الذي يفترض أن يلبي كل مطالب سيده ولا يميز بين الخطاب الشعبوي الموجه لناخبيه وبين الخطاب المقزز الذي يوجهه لرؤساء ودول العالم. قائد لا تلين له قناة في منظومة الدول المختصة بهضم حقوق الإنسان والشعوب ويشهر سلاح الفيتو البغيض بإستمرار أمام أعدل قضية حق واضح ظهرت للإنسانية ، ومتبنياً لكل ما يتعارض مع مبادئ الأمم المتحدة.
4. محمود عباس يمنع ووفده من دخول الولايات المتحدة وتلغى التأشيرات الممنوحة سابقاً لبعض أعضاء الوفد،يتحدث عبر دائرة مغلقة إلى رؤساء دول العالم بدونية لا مثيل لها ويردد طلبات عدوه الذي دمر سلطته ، نصف رئيس لنصف دولة تسمى مجازياً السلطة الوطنية الفلسطينية لا هم لها سوى قمع المناضلين وإلقائهم في السجون والتنسيق الأمني مع عدوها ، نصف رئيس لم يترك لشعبه كرامة لم يحتج بكلمة واحدة ضد التعنت الإسرائيلي ويؤيد الإبادة الجماعية لنصف شعبه طالما أن ذلك يقربه من النصر على خصمه السياسي في نفس الوطن ، نصف رئيس لا زال يعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية وسيطاً للسلام الدائم ويقبل الذل والإنحطاط في قضية حق أقوى منه ومن زمرته بآلاف المرات ولا يستطيع ترجمة القوة إلى مواقف حتى مع تأييد ما يزيد عن 90% من دول العالم .
5. أحمد الشرع رئيس الأمر الواقع في سوريا ، حتى لو لم نعترف به ؛ كان ولا زال أبو محمد الجولاني إرهابي موصوف وموسوم وكان هناك جائزة بقيمة 10 مليون دولار لمن يساعد في إلقاء القبض عليه ، وصل إلى مكانه بالقتل والخداع والغدر ، يتنازل عن حقوق وكرامة الشعب السوري وعن الأرض والمياه ويقبل بنفوذ أجنبي ويمنح صك براءة للغزاة وغير معترف به لدى معظم دول العالم ولكن مع ذلك يسمح له بإلقاء كلمة دولة غالية على قلوب الجميع كانت منذ إستقلالها دولة شامخة وأنجبت سابقاً حضارات لا تموت ، شنت عليها قوى الإستكبار المهيمنة على الأمم المتحدة حرباً كونية ودمرت مقدراتها ومع ذلك لا تستطيع هذه الأمم رفع الظلم عن الشعب السوري وتركه لتأمين موارده وغذائه رغم التشدق الدائم بشرعة حقوق الإنسان.
الواقع والحقيقة هي أن منظومة الأمم المتحدة عارية وتخدم الظالمين فقط ، لا بل أثبتت أنه لا يوجد لديها أخلاق ، لا يوجد قيم، ولا يوجد عدل في منظمة دولية لها أذرع مقيدة ولم تستطع عبر تاريخها فرض حل لمشكلة واحدة في العالم وكل ما لديها هو ذلك المبنى الجميل في وسط مدينة نيويورك محروس بشكل جيد من شرطتها لكي لا يصاب المبنى بعين الحسد ، ومع كل هذا الفشل لا زال هناك من يؤمن بالشرعية الدولية والرأي العام العالمي والمجتمع الدولي ونزاهة الأمم المتحدة الذي تتشدق به الدول التي يرأسها أذناب الصهيونية ، بينما لا يلقي أحد بالاً للرأي العام الفعلي الذي تصنعه الشعوب إلا مؤقتاً ومن باب رفع العتب ليس إلا ، ومن هنا ندعو إلى تشكيل منظمة موازية للأمم المتحدة لتقوم بمهام حفظ السلم والأمن الدوليين بدلاً من المهزلة القائمة ، ولربما كان في منظومة البريكس ومنظمة شنغهاي طريق البداية لخلاص البشرية من المستكبرين.
لم أكن أحلم يوماً أن يكون مثلي الأعلى في التعامل مع الأمم المتحدة هو نيكيتا خروتشيف الذي ضرب الطاولة بالحذاء في 12/10/1960 بعد أن دق بيده ولم يسمع له أحد فهذا بالضبط ما يليق بأمم أمريكا المتحدة التي تعتبرها مزرعة خاصة .
إن قضايانا العادلة في أمتنا العربية وعلى رأسها قضية فلسطين وحرية سوريا لن تستعاد من خلال المنظمات الدولية التي تكيل بمكيالين فما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة (رحم الله الزعيم الخالد جمال عبد الناصر) ، وأن “الحق لا يعطى ولكن يؤخذ”