كتب ناصر قنديل:هل يدرك العربُ ما ينتظرهم؟
الخميس 2025/09/11
…
– خلال سنوات مضت كانت الرواية التي يقدّمها الفريق المهيمن على الإعلام العربيّ والعامل لصالح النظام العربي الرسمي، عبر مؤسسات إعلاميّة عملاقة يُقال إنّها غير حكوميّة، هي الرواية السائدة في شرائح واسعة في الرأي العام العربي، وتقوم على معادلتين، الأولى أن لا مشكلة للعرب مع “إسرائيل” ولا مشكلة لـ”إسرائيل” مع العرب، وأن التوتر في المنطقة عائد لوجود قوى المقاومة التي ترفع سقفها إلى مستوى مواجهة وجوديّة مع كيان الاحتلال، بينما النظام الرسميّ العربي قادر على الحصول على دولة فلسطينية بشروط معقولة تنهي الصراع حول فلسطين، إذا نجحت “إسرائيل” بإضعاف مكانة قوى المقاومة، التي تمثل تهديداً وجودياً لـ”إسرائيل” واستقرار المنطقة والنظام العربي ضمناً.
– المعادلة الثانية تقول إن النظام العربيّ الرسميّ نجح تحت قيادة الدول الغنيّة باستبدال النفوذ الناجم عن القوة العسكريّة بتحويل القدرة الماليّة إلى مصدر للنفوذ، واحتلال مكانة متقدّمة في المعادلات الدوليّة، خصوصاً في بناء جسور للمصالح المشتركة مع أميركا بمعزل عن تبدّل إداراتها، وإن واشنطن القادرة على ضبط “إسرائيل” ودفعها للانخراط في تسوية للقضيّة الفلسطينيّة مقابل التطبيع الكامل مع العرب الأقوياء والأغنياء، وأن العقبة التي تعترض هذا الطريق تتمثل بالتدخلات الإيرانيّة وتوسّع النفوذ الإيراني إلى دول مثل اليمن والعراق وسورية ولبنان وفلسطين، وأن التعاون مع واشنطن لفرض التراجع على إيران وتحجيم ما يسمّونه بأذرع إيران، وبالأخصّ تغيير الوضع في سورية، الذي يمثل إسقاط النظام فيه لصالح نظام في الحضن العربيّ الرسميّ، الحلّ الأمثل لإضعاف “وكلاء إيران” الذين تمثل سورية حلقة الوصل والربط بينهم، وإضعاف إيران التي تمثل سورية الرئة التي تتنفس منها طوال أربعة عقود.
– لسنا بصدد مناقشة هذه الرواية ومدى صحتها، لأن ما جرى في المنطقة يتكفّل بتقديم أجوبة قاطعة، حول ما يحدث عندما يتمّ إضعاف قوى المقاومة، وقد تلقت هذه القوى ضربات قاسية، وماذا يحدث عندما يتمّ استبدال النظام المؤيّد للمقاومة في سورية بنظام معتدل ينتمي إلى “الحضن العربي”، وقد تمّ ذلك على أتمّ وجه كما كان يرغب القادة العرب، فهل ترتّب على إضعاف قوى المقاومة اعتدال المواقف الإسرائيليّة نحو خيار التسوية المعقولة للقضية الفلسطينية، وقبول فكرة الدولة الفلسطينية بشروط مقبولة، وهل ترتب على إسقاط نظام مؤيد للمقاومة في سورية لصالح نظام في الحضن العربي إلى تعزيز مكانة النظام العربي في الحسابات الأميركية لصالح ضبط “إسرائيل” وضمّها إلى مشروع تسوية، خصوصاً أن لا جدال حول أن ما جرى أضعف إيران وقوى المقاومة؟
– النتائج ماثلة أمامنا وتقول إن المنطقة تشهد أشد مراحل التوحش الإسرائيلي، وإن تل أبيب لا تنظر للعرب كعرب إلا بصفتهم كتلة بلا وزن، وكميّة سكانيّة بلا فعاليّة، وأموالاً يجب الحصول عليها إتاوة مقابل عدم التدمير وعدم الاحتلال، وأن جغرافيا المنطقة كلها بعيون تل أبيب مدى حيويّ للأمن الإسرائيلي، وأن استهداف سورية بنظامها الجديد لا يختلف عن استهداف لبنان بمقاومته، إن لم يكن أكثر وضوحاً ووقاحة، وأن الدول العربيّة بنظر تل أبيب لا تملك ما تستدعي معاملتها كدول ذات سيادة، وما قالته الغارات الإسرائيليّة على الدوحة قالت ما يكفي على هذا الصعيد، أما عن أميركا، فإن السذاجة هي أكثر الأوصاف تهذيباً للتوقعات العربيّة من أميركا، وأميركا لم يرفّ لها جفن عندما استهدفت سورية ولا عندما استهدفت قطر، وأن القواعد الأميركيّة ليست في قطر وسواها من الدول العربيّة لحماية هذه الدول، وأن نصيب العرب من واشنطن هو المجاملة ورفع العتب والضحك على اللّحى، مقابل نصيب “إسرائيل” المتمثل بالسلاح والمال والدعم السياسيّ المفتوح والمساندة الدبلوماسيّة بلا حدود، والرعاية القانونيّة بلا سقوف.
– ببساطة لا يحتاج أيّ عاقل لمعرفة أنه عندما ضعف محور المقاومة المتمثل بقوى المقاومة وإيران، وعندما أصيبت قوّته المحوريّة التي يمثلها حزب الله، وحوصرت حربته الفلسطينية المتقدّمة في حرب الإبادة والتجويع في غزة، وعندما سقطت سورية، نظرياً بيد العرب والأتراك، تبين أن سورية تسقط عملياً بين أنياب “إسرائيل”، وأن الأمن العربيّ ومعه الأمن التركي صار تحت ضغط المطرقة الإسرائيلية، وأن “إسرائيل” بدلاً من الحديث عن دولة فلسطينية تعلن ضم الضفة الغربية بعدما ضمّت القدس الشرقية وتعمل بقوة لتهجير غزة والضفة الغربية إلى الجغرافيا العربية، وأن كل ذلك يجري بدعم أميركا وشراكتها، بصورة يبدو فيها أن لأميركا في المنطقة حليفاً وحيداً هو “إسرائيل”، وأنها مع العرب والأتراك شريك مضارب، يقاسمهم الأرباح وينسحب من شراكة الأكلاف أو الخسائر.
السؤال الحقيقيّ اليوم ليس عما إذا كان العرب سوف يعترفون بسذاجة فهمهم لمعادلات الإقليم الذي يعيشون فيه، ولا عما إذا كانوا قادرين على التحرّر من أحقادهم على حركة حماس وحزب الله وأنصار الله لرؤية أن ما تتعرّض له سورية كافٍ لمعرفة أن الهدف هو الجغرافيا العربية، وليست تشكيلات وحكومات بعينها، وأن ذلك كله يقع في الرؤية الإسرائيلية ضمن فهم “إسرائيل” الكبرى التي بشّر بها بنيامين نتنياهو، وأن الجغرافيا العربية القريبة والبعيدة مستهدفة ضمن هذه الرؤية، وأن ما أصاب العرب بعد إضعاف إيران وقوى المقاومة، ليس إلا رأس جبل الجليد مما سوف يصيبهم إذا هُزمت إيران وقوى المقاومة، وأن غزة ولبنان واليمن اليوم هي خطوط دفاع أماميّة عن الأمن القوميّ للنظام العربيّ الرسميّ، الذي سوف يسقط إن سقطت، وإن مَن يساهم بالدعوة لإسقاط سلاح المقاومة أملاً بأن يحسب له ذلك في رصيده الأميركي لا يفعل سوى لحس المبرد وهو يتذوّق دمه النازف لا محالة.
– هل يجرؤ العرب على المراجعة؟