نارام سرجون
أياك ان تصدق الا اليقين .. من لايكون اليقين يقينه فانه من أصحاب الوهم .. ولذلك فاننا سنحلل وصول الجولاني .. ونحلل زمن رحيله .. فمنذ أن وصل هذا الجولاني وصل معه المنجمون .. ووصلت التوقعات والمواعيد التي تحدثنا بثقة انه مؤقت .. وبلغت الثقة بالبعض انه صار يعطي مواعيد .. ثم يجددها لأشهر .. ولكن الجولاني لايزال في القصر .. يوزع ابتساماته البلهاء .. ويلوح للمشجعين الذين يقولون له (ماصار ماصار ) .. فمتى سيرحل؟؟
ليس عندي أي شك ان الجولاني سيرحل بيد الشعب السوري .. ولكنني أستخف بكل تلك النبوءات وقراءة الكف والفنجان .. وكلها تطلق الوعود بانه سيرحل قريبا .. وسيتبين لكل متابع ان هناك اصرارا على ان يتبنى كل من يحلل الوضع في سورية على ان الجولاني سيتم ترحيله قريبا لأن المجتمع الدولي قد قرف منه ومن تجاوزاته .. ويذهب البعض الى ان الجولاني هو مجرد كلب عند الصيادين البيض الانغلوساكسون .. وقد انتهت مهمته وسيتم التخلص منه لأن لديهم بديلا حضروه منذ زمن ..
هنا أظن ان القوى الغربية التي أعدت مشروع الجولاني تريد من هذه الاخبار والشائعات ان تخدر الناس التي يمكن ان تنتفض من كل المكونات كي تتريث لأنها ستحس ان المسألة مسألة وقت وان لاداعي لانفاق الجهد والمال والنفس لازاحته .. وبذلك فانها تبقيه بقرار سلبي .. أي تنتظر القوى الشعبية الرافضة له ان يقوم بالعمل طرف آخر يكفيها عناء المواجهة .. وهذه لعبة انتظار نفسية تجيدها القوة الغربية ..
لكن هذا الانتظار سيزيد في تثبيته كما قال لخمس سنوات .. واذا بقي سنوات خمسا فانه سيكون من المستحيل ازالة النظام الديني الحاكم الذي سيكون قد تجذر أكثر في البيئات الدينية ونمت أجياله أكثر وتغلغل في المجتمع استخباراتيا وعرف مراكز القوى الاجتماعية التي يعمل على خلخلتها باستمرار .. وبشكل حثيث ومتواصل وبلا توقف .. وقد بدأ عملية تجذيره بمجازر في الساحل والجنوب من أجل فصل الترابط بين القوى الاجتماعية بين الطوائف .. فصارت الطوائف تخاف من بعضها من الانتقام والانتقام المتبادل .. وقد حدث .. ثم ان ذلك سيفضي الى نتيجة حتمية هي التقسيم .. وفق المخطط الذي أطلق مايسمى الثورة السورية ..
كما ان التغييرات الاقتصادية التي ستجري بسرعة تنقل الثقل الاقتصادي نحو الشمال حيث الاتراك سيمسكون الاقتصاد السوري ويتحكمون برقبته كما فعلوا طوال 400 سنة وهم في الشمال حيث يتم نقل الثروات والاقتصاد نحو الشمال ليلتحق بتركيا وتصبح كل ثروات سورية تحت يد واشراف الاتراك ..
لكن لماذا لايسأل احد من هؤلاء الذين يتنبؤون برحيل الجولاني عن دواعي رحيله من قبل الغرب؟ هل أساء للغرب؟ ألم يخدم الغرب في اخراج ايران وروسيا من الشرق الاوسط ؟ هل عادى اسرائيل؟ هل هاجمها ؟ ألم يقدم كل فروض الطاعة والولاء لها ؟ ألم يتم تغييب اسم فلسطين من الخطاب السوري الرسمي والشعبي والاعلامي؟.. ألم يصبح الجولان في معدة اسرائيل بعد ان كان بين فكيها طوال 54 سنة؟.. الان ابتلعته وهضمته .. وهضمت معه ثلث سورية.. ومن غيره سيأخذ أهل السنة الى مطحنة الحرب الدينية ضد حزب الله والحشد الشعبي وايران؟ انه قائد الحرب المذهبية ووجوده لن يسد فراغه أحد بعد كل هذا الاعداد الاعلامي والتلميع والتفخيم ودفعه في حلق الناس ليبتلعوه .. فعملية التلميع واطلاق حملة العلاقات العامة الضخمة التي قادها دهاقنة الاعلام الغربي لتقديمه قائدا كاريزميا منتصرا وغسله من الدم واستقباله من قبل ترامب وزعماء العرب الخلايجة .. لم تكن لأن الغرب يريد استبداله بسرعة بل لأن أمامه مهمات تم تكليفه بها .. واختياره لم يكن لأنه أقوى بل لأنه الافضل لقيادة المرحلة المذهبية والدينية التي ستدمر بلاد الشام والعراق نهائيا وتدمر الجيل القادم الذي يفتح عيونه في السنوات القادمة ولايعرف عن سورية العظيمة شيئا بل عن سورية الاسلامية السنية الاموية التي ستستأنف حربها الدينية ضد الأقليات والشيعة .. فهذه المنطقة جاهزة للحرب الدينية وليس هناك من يطلقها الا شخصية دينية اسلامية سنية في منتهى التطرف ..
الغربيون لايتصرفون بشكل اعتباطي .. فاسقاط صدام حسين تلاه حل الجيش العراقي .. وحل قوات الأمن .. وكل من قال ان الامر بسبب خطأ بول بريمر هو لايعرف ان بريمر انما نفذ الخطة الامريكية بحذافيرها لاطلاق الفوضى والحرب المذهبية دون ان تضبطها قوات أمنية .. وان اعدام صدام حسين في يوم العيد لم يكن قرارا عراقيا في الشكل والتوقيت بل أمريكيا رغم ان هناك من كان يقول انه من المستحيل ان يقدم الغرب على اعدام صدام حسين لأن ذلك سيفجر المنطقة .. ولكن الغرب كان يريد تفجير المنطقة في الحقيقة .. وبالفعل كان العراق جاهزا للانفجار فتم الاعدام لاطلاق داعش المجنونة دينيا ..
والسؤال لماذا يعيد الامريكي نفس الخطوات في سورية؟ لقد تمت ازاحة الرئيس واحلال قوة دينية متطرفة محل الجيش والامن والشرطة وكأن بول بريمر نفسه قد حكم سورية في اليوم التالي لسقوط الدولة؟؟ لماذا لم يستفيدوا مما يسمونه أخطاء بريمر اذا كان بريمر لم يفعل مافعله دون وحي من أميريكا؟؟ أليس من المتوقع ان ترتكب المجازر بقوة متطرفة معروفة بعقيدتها الدموية؟ لماذا كان هناك برود غربي ودولي شديد تجاه مجازر الساحل والسويداء؟؟ ألا نذكر جميعا كم عقد مجلس الامن جلسات صاخبة أمام ادعاءات بمجازر ارتكبها الجيش السوري وكانت الجلسات يدعى اليها مجلس الامن من أجل فقدان عشرة أشخاص لم يتم تصويرهم الا جثثا كانت في الغالي قتلت بيد عصابات الثوار ولا توجد اي أفلام عن المجزرة سوى صور وشهادات زور .. أما الآن فالمجازر يتم تصويرها والقتلة معروفون والمشاهد الحقيقية بالالاف .. ومع ذلك بقي مجلس الامن يجري لقاءات سرية ولم يجر اي تصويت للدعوة للعمل بميثاق الفصل السابع كما كان هذا الفصل هو طلب مجلس الأمن أمام كل نقاش بشأن الحكومة السورية زمن الأسد .. فمجلس الأمن الان صار مثل الجامعة العربية يدين المجازر التي قامت بها قوى غير منضبطة ويطلب من الجولاني فعل المزيد لضمان أمن الاقليات .. وبس ..
من هو البديل بنظر الغرب الذي سيحظى بهذا التأييد الاسلامي من قبل أهل السنة والجماعة الذين يرى كثيرون منهم انه فاتح وقديس ومبارك الخطوة ومؤيد من الله ..؟ ومن هو الذي سيقود جموع الجهاديين لمنازلة حزب الله والحشد الشعبي أعداء اسرائيل وأميريكا عندما تتم المواجهة؟ ومن هو الافضل لشحن الناس عاطفيا ضد ايران؟؟ ومن هو الذي سيقدر على التوقيع بختم اسلامي على التنازل عن فلسطين والقدس والجولان مثله؟ فهو يمثل الان رغبة السعودية والخليج في التطبيع ورغبة تركيا في رفع الحرج الذي أوقعتها به مأساة غزة التي وقفت تتفرج على مذبحتها دون ان يرمش لتركيا جفن .. فما ان يوقع الاسلامي السوري (الاموي) السلام فان كل الحرج سيزول عن آباء التطبيع في السعودية السنية التي تمسك الحرمين والخليج وتركيا بني عثمان .. وهذا مايفسر الاصرار على تسمية الحكم الان بالحكم الاموي .. اي انه مرجعية سنية ويملك سطوة الابوة الاموية الاسلامية على الوهابية والعثمانيين .. وسيتبعه هؤلاء باعتباره الاب او جد السنة جميعا ..
البعض يقول بسذاجة ان تصرفات الجولاني وحكومته المتطرفة لم يعد العالم يطيقها .. وصار من الصعب الدفاع عنها .. وان الغرب يحتقر هذه الحكومة .. ولكن هذه السذاجة ترى ان نتنياهو يقتل ويبيد أمام نفس العالم .. والضحايا هم أنفسهم من العرب الشرقيين والمسلمين .. ولكن الغرب لايزال يرسل الاسلحة لاسرائيل التي لاتبالي بقرف الشعوب منها وقرف الناس منها.. ولايزال لايحس بالحرج من صمته على الابادة ..
والبعض يقول ان فساد الجولاني وادارته الفاشلة وصل مرحلة لاتحتمل في سرقة الموارد السورية ونقلها الى ادلب .. ولكن محمود عباس هو مثال حي على فساد مزمن مشرش في المجتمع الفلسطيني .. بحماية الغرب واسرائيل .. فمحمود عباس رئيس بلا انتخابات الى الابد .. وهو لايموت ولا يتم استبداله .. وهو فاسد .. ولكنه يفعل كما يطلب منه .. فهو يشق الفلسطينيين ويشتغل على ضبطهم أمنيا وملاحقتهم لصالح اسرائيل وهو قتل نزار بنات بتكليف عربي واسرائيلي وسيقتل كل من يوقظ الفلسطينيين .. وهو يشل النضال الفلسطيني ويتواصل مع أصدقاء اسرائيل ويسهل التطبيع ويبرره ويكون أول الواصلين لمظاهرات التنديد بالعنف ضد الاوربيين باسم فلسطين ولكنه مثل تركيا في موقفه من مجزرة غزة وتهويد الضفة .. كلام في الهواء فقط … وهو يبتعد عن أعداء اسرائيل مثل سورية الاسد وايران وحزب الله .. ولذلك فانه باق طالما أنه يدمر القضية الفلسطينية ..
لذلك لاتنتظروا اي تغيير للجولاني من الغرب .. فهذه خدعة جديدة مثل خدعة الثورة السورية والربيع العربي .. وشعوبنا تحب ان تخدع نفسها .. لأن الغرب يريد تدمير المجتمع السوري بالتدريج وتثبيت النظام الديني الجديد لوظيفة قادمة .. وهو يحتاج هذا الوقت .. لتمكينه من التجذر لأنه لايزال هشا في المجتمع ويحتاج خمس سنوات ليتمكن من البقاء .. وهذا هو سر اعلان الجولاني انه رئيس لخمس سنوات .. وكل هذه الدعاية عن رحيله القريب مصدرها الغرب الذي يريد تخدير الناس وجعلهم ينتظرون ولايقومون بأي تحرك .. فما الداعي لأي تحرك اذا كان الرجل سيرحل قريبا؟ وماالداعي للتمرد اذا كان الغرب قد حسم أمره وسيقتلعه؟
الناس تتابع أعمالها وتراقب الأمل .. ولكنها ترى اجراءات تثبيت الرجل بطريقة واضحة وترى انها أمام محمود عباس جديد .. عباس سوري .. عميل سيدمر المجتمع السوري ويأخذه الى استسلام ودمار وغياب مزمن عن العالم .. وغيبوبة عن الصراع مع الصهاينة ..
اياكم ان تنخدعوا .. وان تنتظروا وأن تظنوا ان الجولاني الذي صنعته اميريكا وحمته اميريكا واسرائيل .. وتشرف عليه بريطانيا مثل جوهرة التاج .. والذي تدفقت عليه الاعترافات بسخاء منقطع النظير .. اياكم ان تظنوا ان الخونة يغيرهم الغرب .. الا عندما يرى انهم سقطوا شعبيا وخرج الناس ضدهم علنا ..
أنتم فقط من يزيل الجولاني .. بالتمرد واظهار الغضب الشعبي وتنسيق عمل حقيقي وعسكري ومقاوم .. ولاتخافوا فصائله فهؤلاء فصائل من الجبناء لأن من يدعمهم هم جماعة (فلتت الصيدة) والان بدأ التهاوش الحقيقي على الصيدة بينهم وسيقتلون بعضهم عندما يرون انكم تتوحدون ..
لذلك هذا الرجل سيبقى مالم يحركه الوعي السوري .. ويقتلعه الوعي السوري .. والوعي السني الشامي تحديدا لأن اي طرف يتدخل لاقتلاعه سيعتبره البعض على انه مؤامرة من مكونات لاسنية ضد أهل السنة ..
هل يستيقظ النائمون؟؟ هل يستيقظ الغافلون؟؟ هل يستيقظ الحالمون؟؟؟ هل يستيقظ المنتظرون؟؟ هل يستيقظ المخدوعون ؟؟ اياكم من لعبة الانتظار .. ان الانتظار هو سلاح .. سلاح عدوكم .. الذي ستقتلون به .. ولايغير مصائر الأمم الا أبناؤها .. لاغرب ولاشرق ولاأمم متحدة ولا أي قوة .. فقط القوة التي في داخل الامم .. كما قال الزعيم العظيم أنطون سعادة لنا نحن السوريين: ان فيكم قوة لو نهضت لغيرت وجه العالم .. اليوم هو الوقت الحاسم لإخراج هذه القوة الهائلة .. .. فقط افتحوا وعيكم واستيقظوا .. افتحوا شبابيك العقل والوطنية فقط .. وستدهشون العالم وتفاجئوه .. بالصدمة والروع…