Byadam

أغسطس 21, 2025

كدويّ أجراسٍ، هنا انكسر الزمان ]

وقفتُ في الستين من جرحي. وقفت على المحطّة، لا لأنتظر القطار ولا هُتَاف العائدين من الجنوب إلى السنابل، بل لأحفظ ساحل الزيتون والليمون في تاريخ خارطتي. “أهذا… كل هذا للغياب” وما تبقَّى من فُتات الغيب لي؟ هل مرَّ بي شبحي ولوَّح من بعيد واختفى، وسألتُهُ: هل كُلَّما ابتسم الغريبُ لنا وَحيَّانا ذبحنا للغريب غزالةً؟

وقع الصدى منِّي ككوز صنوبرٍ ]

لا شيء يرشدني إلى نفسي سوى حدسي. تبيض يمامتان شريدتان رسائلَ المنفى على كتفيّ، ثم تحلِّقان على ارتفاع شاحب. وتمرُّ سائحة وتسألني: أَيمكن أَن أُصوِّركَ احتراماً للحقيقة؟ قُلْتُ: ما المعنى؟ فقالت لي: أَيمكن أن أُصَوِّركَ امتداداً للطبيعةِ؟ قُلْتُ: يمكن… كل شيء ممكنٌ، فعمي مساءً، واتركيني الآن كي أخلو إلى الموت… ونفسي!

للحقيقة، هـهنا، وَجْهٌ وحيدٌ واحدٌ ولذا… سأُنشد: ]

أنتَ أنتَ ولو خسرتَ. أنا وأنت اثنان في الماضي: وفي الغد واحد. مرَّ القطار ولم نَكن يَقِظَيْن، فانهضْ كاملاً متفائلاً، لا تنتظر أحداً سواك هنا. هنا سقط القطارُ عن الخريطة عند منتصف الطريق الساحليّ. وشبَّت النيران في قلب الخريطة، ثم أَطفأها الشتاءُ وقد تأخّر. كم كبرنا كم كبرنا قبل عودتنا إلى أسمائنا الأولى!

أَقول لمن يراني عبر منظارٍ على بُرْجٍ الحراسةِ: لا أراكَ، ولا أراكَ]

أرى مكاني كُلَّه حولي. أَراني في المكان بكُلِّ أَعضائي وأسمائي. أرى شَجَرَ النخيل يُنَقِّح الفصحى من الأخطاء في لغتي. أرى عادات زهر اللوز في تدريب أُغنيتي على فَرَحٍ فجائيّ. أَرى أَثري وأَتبعه. أَرى ظلِّي وأَرفعه من الوادي بملقط شَعْر كَنْعَانيّةٍ ثَكْلى. أَرى ما لا يُرَى من جاذبيَّة ما يَسيل من الجمال الكامل المتكامل الكُلِّيِّ في أَبد التلال. ولا أَرى قنّاصتي.

ضيفاً على نفسي أَحلُّ ]

هُناكَ موتى يوقدون النار حول قبورهم. وهناك أَحياء يُعدُّونَ العشاء لضيفهم. وهناك ما يكفي من الكلمات كي يعلو المجازُ على الوقائع. كُلَّما اغتمَّ المكانُ أَضاءَهُ قمر نُحَاسيّ ووسَّعه. أَنا ضَيْفٌ على نفسي. ستُحْرجُني ضيافتُها وتُبْهجُني، فأشرق بالكلام وتشرقُ الكلمات بالدمع العصيّ. ويشرب الموتى مع الأحياء نعناع الخلود، ولا يطيلون الحديث عن القيامةِ

لا قطار هناك. لا أَحد سينتظر القطار ]

بلادنا قَلْبُ الخريطة. قلبها المثقوبُ مثل القِرْش في سوق الحديد، وآخر الرُكَّاب من إحدى جهات الشام حتى مصر لم يرجع ليدفع أُجْرَةَ القنَّاص عن عَمَلٍ إضافيّ – كما يتوقع الغرباءُ. لم يرجع ولم يحمل شهادة موتِهِ وحياتِهِ مَعَهُ لكي يتبيَّن الفُقَهاءُ في علم القيامة أَين موقعه من الفردوس. كم كنا ملائكة وحمقى حين صَدَّقْنا البيارق والخيول، وحين آمنَّا بأن جناح نسر سوف يرفعنا إلى الأعلى!

سمائي فكرةٌ. والأرضُ منفايَ الـمُفَضَّلُ ]

كُلُّ ما في الأمر أَني لا أُصدِّق غير حدسي. للبراهين الحوار المستحيلُ. لقصَّة التكوين تأويلُ الفلاسفة الطويلُ. لفكرتي عن عالمي خَلَلٌ يُسَبِّبهُ الرحيلُ. لجرحيَ الأبديّ محكمة بلا قاض حياديّ. يقول لي القضاة المنهكون من الحقيقة: كُلُّ ما في الأمر أَن حوادث الطرقات أَمْرٌ شائع. سقط القطار عن الخريطة واحترقتَ بجمرة الماضي، وهذا لم يكن غَزْواً!

ولكني أَقول: وكُلّ ما في الأمر أَني لا أُصدِّق غير حدسي

لم أزل حيا و حيا و حيا

By adam