-منذ الأيّامِ الأولى للعمليّةِ الخاصّةِ للقواتِ الروسيّةِ في أوكرانيا، كنّا نؤكّدُ على أنَّ هناكَ ترابطاً عضويّاً حقيقيّاً وموضوعيّاً، بينَ ما يحصل على حدودِ روسيا الاتحاديّةِ مع أوكرانيا، وبين ما يحصل، أو كان يحصل، في سوريّة، لجهةِ العدوانِ الكبيرِ الذي وقعَ عليها، وامتدَّ لسنواتٍ عديدةٍ، ولم تزلْ ملحقاتُهُ وتبعاتُهُ قائمةً حتى هذهِ اللحظاتِ!!..
-إذ كنّا نعتقدُ، ولم نزلْ، على أنَّ إفشالَ العدوانِ الغربيِّ على سوريّة والمنطقة، أسّسَ لصعودِ أقطابٍ دوليّةٍ جديدةٍ، ساهمتْ في ملءِ الفراغِ الذي أحدثَهُ فشلُ العدوانِ، فتقدّمتْ روسيا كي تلعبَ دوراً هامّاً، في إعادةِ إنتاجِ خارطةِ النّفوذِ على مستوى منطقة حوضِ المتوسّطِ، وهوَ إنجازٌ كبيرٌ على حسابِ فشلِ الأهدافِ الغربيّةِ في المنطقةِ، ثم على حسابِ تراجعِ النّفوذِ الأمريكيِّ الذي كانَ أساسيّاً، قبلَ عدوانِ “الربيعِ العربيِّ” الذي قادتْهُ الولاياتُ المتحدةُ!!..
-رفضتْ روسيا محاولاتِ الولاياتِ المتحدةِ، في مقايضتِها على نفوذِها الصّاعدِ في المنطقةِ، من خلالِ إطلاقِ يدها على مستوى المنطقة، مقابلَ استعمالِ روسيا لنفوذِها الجديدِ، في دفعِها لإخراجِ إيران وحزب اللّه من سوريّة، وهو مطلبٌ غربيٌّ رئيسيٌّ هامٌّ جدّاً بالنسبةِ لنفوذِ الولاياتِ المتحدةِ ونسقِها على مستوى المنطقةِ، وتحديداً في جزئيّةٍ هامّةٍ منه، وهيَ جزئيّةُ “أمنِ إسرائيل”!!..
-لم يبقَ أمامَ الولاياتِ المتحدةِ ونسقها الغربيِّ، إلاّ أنْ تعملَ على الاستثمارِ، في خاصرةِ روسيا الرخوةِ في أوكرانيا، أملاً في إعادةِ ترتيبِ وتثقيلِ شكلِ المقايضةِ معها في سورية، أو في دفعها للتراجعِ عن دورِها فيها، أي في سورية، فمارستْ تصعيداً جديداً في أوكرانيا ضدّ روسيا، الأمر الذي دفعَ روسيا للذهابِ إلى عمليّتها العسكريّةِ الخاصّةِ في أوكرانيا، لملاقاةِ التهديدِ الغربيِّ لها، ومنعِ هذا التهديدِ من الوصولِ إلى أهدافِهِ، في التأثيرِ على صعودِ النّفوذِ الروسيِّ الذي رافقَ الفشلَ الأمريكيَّ في سوريّة!!..
-هذهَ نقطةُ ربطٍ هامّةٌ علينا دائماً أن نأخذها بالحسبان، وعلينا ألاّ نفصلَ أبداً، بين ما يحصل في أوكرانيا ويحصلُ في سوريّة، وعلى حلفاءِ روسيا في سوريّة، الاستمرار في دعمِ روسيا في معركتها في أوكرانيا، وهو ما كان واضحاً منذُ اللحظاتِ الأولى للعمليّةِ العسكريّةِ في أوكرانيا، حين اعتبرت سورية أنَّ المعركةَ التي تخوضها القواتُ الروسيّةُ في أوكرانيا هي ذاتُها المعركةُ التي يخوضُها الجيش العربيِّ السوريِّ في سوريّة، كذلكَ عندما سارعتْ إيران، للتعبيرِ عن وقوفِها إلى جانبِ روسيا في الدّفاعِ عن أمنها وتحريرِ أرضِها، في وجهِ سعي الولايات المتحدةِ، لتهديدِ روسيا وأمنِها، من خلالِ استغلالِها أوكرانيا!!..
-لم تتردّد الولاياتُ المتحدةُ، في التعبيرِ عن انخراطِها الكاملِ للدفاعِ عن النظامِ في أوكرانيا، ليسَ في وجهِ التهديدِ الروسيِّ، وإنّما في الدّفاعِ عن أوكرانيا باعتبارها منصّةَ استعمالٍ لها، تحتاجُها لإشغالِ روسيا والتأثير عليها، فاصطفت اصطفافاً حادّاً للدفاعِ عن النظامِ في أوكرانيا، وحشدتْ له ما استطاعتْ، ماديّاً ومعنويّاً، وبدا واضحاً تماماً أنَّ الانقسامَ الدوليَّ، ممّا يحصل في أوكرانيا، هو مطابقٌ تماماً، للانقسامِ أو الاصطفافِ الدّوليَّ الذي حصلَ في سوريّة!!..
-يبدو واضحاً وجليّاً أنَّ الغربَ يخوضُ معركتهُ في أوكرانيا، وهو متماسكٌ لجهةِ اصطفافِهِ في عدوانِهِ على روسيا، كذلكَ فهو يفعلُها اليوم في منطقتنا، ولا يتردّد في التعبيرِ عن اصطفافِهِ وتماسكِهِ، للدفاعِ عن “إسرائيل”، في وجهِ أيِّ ردٍّ لمحورِ فلسطين، على اغتيالِ كلٍّ من إسماعيل هنيّة وفؤاد شكر، وهيَ نقطةٌ هامّةٌ لم تُعبّر عنها القيادةُ الروسيّةُ، إلّا من خلالِ تصريحٍ باردٍ عابرٍ، بقولِها: “مثلما تدعمُ الولاياتُ المتحدةُ أعداءنا، سوفَ ندعمُ أعداءَها”!!..
-هل كانَ هذا التصريحُ الروسيُّ تعبيراً حقيقيّاً، عن موقفٍ روسيٍّ جديدٍ، تنخرطُ به روسيا بكاملِ قوّتِها، إلى جانبِ حلفائِها التي واجهتْ وقضتْ معهم على الإرهابَ الذي دعمتْهُ واستثمرتْ بهِ الولاياتُ المتحدةُ في المنطقة وفي سوريّة تحديداً؟!!..
-هل فعلاً تنتقلُ روسيا خطوةً نحو الأمامِ، في تحريكِ دورِها وموقعِها وتموضعِها، وتستعملُها في اصطفافِها إلى جانبِ أطرافِ محورِ فلسطين -أعداءِ الولاياتِ المتحدةِ- وتدعمُ هذا المحورَ، في مواجهةِ تهديدِ الولاياتِ المتحدةِ لبعضِ دولِ المنطقةِ، واحتلالِ بعضِ أراضيها؟!!..
-هلْ يفعلُها “بوتين”؟!!..
ويدعمُ أعداءَ الولاياتِ المتحدةِ في المنطقةِ؟!!..
إنّهُ سؤالُ اللحظةِ الحاسم، وإنّها مرحلةُ ترسيمِ النظامِ العالميِّ الجديدِ، الذي يتجاوزُ من خلالِها العالمُ نظامَ النّهبِ الأمريكيَّ!!..
خالد العبود – سوريا