الشهيد بشار عبده خالد الجنيد – أبو أسد،من الضالع إلى غزة… فارس المقدار في طوفان الأقصى وشهيد على طريق القدس.
✍️ عدنان عبدالله الجنيد.
من قلعة المقدار الشاهقة في الضالع، حيث جدران الحجر تحفظ أنفاس الثوار، وحيث ارتفعت رايات الجهاد منذ أيام القائد المجاهد صفي الدين أحمد بن محمد الجنيد، وحيث احتضنت القلعة ثورة المجاهد علي الشرجبي، خرج شبلٌ جديد ليحمل إرثًا أثقل من السلاح… إرثًا اسمه آل الجنيد.
ومن إرث الفارس رضوان الجنيد، الذي عُرف بمواقفه الشجاعة في مواجهة اليهود وصدّ أطماعهم، جاء بشار ليجسد في جيله وصية الأجداد: أن تكون الأرض حرة… أو يُسقى ترابها بدماء الرجال.
وليس غريبًا على أسرةٍ شعارها قول الله تعالى: ﴿فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ أن تزف شهيدًا في كل جيل، فالتضحية عندهم ليست استثناء… بل ناموس حياة.
معاني الأسماء… ملامح القدر:
بشار: من البشارة، وكأن اسمه وعدٌ مبكر بأن يكون مبشّرًا بالنصر كما كان مبشّرًا بالشهادة.
عبده: العبودية الخالصة لله، والانتماء الصادق لمشروع الحق القرآني.
خالد: البقاء في ذاكرة الأمة وفي سجل الخالدين، إذ الشهداء لا يموتون.
الجنيد: الاسم الذي وحّد المجد بين سيف الجهاد وريشة القلم، وحمل رايته منذ قرون في جبال حبشي وصبر والحشا ورداع والضالع.
أبو أسد: الكنية التي تصف زئيره في الميدان، وصلابته أمام العدو، وافتراسه للباطل.
فارس الميدان… قبل الرتبة وبعدها:
لم ينتظر أبو أسد شرف البزّة العسكرية ليكون جنديًا في سبيل الله، فقد تذوّق طعم المعركة مبكرًا في مُجازة، حيث عرف معنى أن تكون في وجه النار، وأن تسير إلى الموت ثابت الخطى.
وحين التحق بالكلية الحربية، حمل معه وعي المجاهد لا عقل الطالب فحسب، حتى تخرج ضابطًا قبل عامين.
وُزّع إلى جبهة مأرب، وهناك صار اسمه مرادفًا للصمود… مقاتلًا لا يعرف التراجع، يربط كل معركة يخوضها بمعركته الكبرى نحو القدس.
إرث آل الجنيد… تاريخ لا يصدأ:
في جيناته دماء رجال حفروا أسماءهم في صخر التاريخ:
من صفي الدين أحمد الجنيد الذي احتضن ثورة علي الشرجبي ضد الأتراك، إلى رضوان الجنيد الذي ثبت في وجه اليهود، إلى أجيال من المجاهدين الذين كسروا شوكة الاستعمار البريطاني وقدّموا مئات الشهداء.
ذلك الإرث لم يكن حكاية يرويها الكبار للصغار، بل كان عهدًا مكتوبًا بالدم، ووصية لا تُنقض.
طوفان الأقصى… قلبه في غزة وبندقيته في اليمن:
حين دوّى زلزال طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول 2023، كان بشار الجنيد يدرك أن معركته في مأرب هي نفسها معركة غزة، وأن العدو واحد، وأن الطلقة التي تخرج من بندقيته في اليمن تصيب قلب المشروع الصهيوني.
كان يقول لرفاقه:
“من مأرب إلى غزة، خط الجبهة واحد، والنصر واحد، والشهادة واحدة”.
هكذا عاش يقاتل في اليمن بروح مقاتل في فلسطين، حتى صار جنديًا في الطوفان بدمه وعقيدته قبل أن يكون بموقعه.
الشهادة… عهد يتجدد:
لم يكن استشهاد أبو أسد نهاية قصة، بل بداية فصل جديد في كتاب آل الجنيد… الكتاب الذي تُكتب صفحاته بمداد الدم، وتُختم بعبارة:
“هنا قضى رجلٌ على طريق القدس”.
رحل جسدًا، لكنه بقي في صفوف المجاهدين، في نداءاتهم، في أناشيدهم، وفي زئير كل أسد يخرج من رحم المقدار.
الخاتمة:
سلامٌ على المقدار التي أنجبته، وعلى الضالع التي رعته، وعلى كل جبهة شهدت أثره وبسالته.
سلامٌ على روحه التي امتزجت بأرواح شهداء طوفان الأقصى، وعلى دمه الذي امتد من مأرب إلى غزة، يرسم خط التحرير بمداد الفداء.
وليوقن العدو أن كل بشار يُستشهد، ينهض ألف أبو أسد… وأن آل الجنيد سيظلون ما بقي الليل والنهار يتسابقون إلى الميدان، مرددين شعارهم الخالد:
﴿فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾.