منذ سنوات، تعمل الإمارات العربية المتحدة على هندسة الفوضى المسلحة في العالم العربي، حيثما وُجد فراغ أمني أو اضطراب سياسي أو أطماع في نفوذ سياسي وأمني من خلال خلق ميليشيات الفوضى.
فعلت أبو ظبي ذلك في ليبيا حين صنعت ودعمت خليفة حفتر، وفي اليمن حين رعَت الانفصال والتمرد، وفي السودان بدعم ميليشيات محمد حمدان دقلو “حميدتي”.
واليوم، تُكرّر أبوظبي التجربة ذاتها في قطاع غزة، بدعم مشروع ميليشيوي جديد يتمثل في عصابة ياسر أبو شباب، في محاولة لإعادة تشكيل المشهد الفلسطيني.
بداية المشروع السري في ديسمبر 2024، ورد اسم “ياسر أبو شباب” لأول مرة في مذكرات داخلية لديوان مستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد الذي يعرف بلقب رجل الظل في أبوظبي.
لم يكن اسم أبو شباب عشوائياً، بل تم وصفه بعبارات تكشف فحوى المشروع: “عديم الولاء، عدو للمقاومة الفلسطينية، صاحب سجل إجرامي في تجارة المخدرات والسلاح، شخصية بدوية من رفح يمكن تحويلها إلى حفتر جديد لكن بنكهة غزّية”. بهذه المعادلة، انطلقت الخطة.
ورغم إدراك طحنون بن زايد لاختلاف البيئة الاجتماعية والسياسية في غزة عن ليبيا أو السودان، إلا أن اللقاء المغلق الذي جمعه بمستشاري ملف فلسطين خلص إلى قرار جريء: “ابدأوا التجربة… من دون ضجيج، ومن دون توقيع”.
وهكذا، تحولت رفح إلى مختبر جديد للفوضى. محمود الهباش: رجل المهمة القذرة لم يكن ممكنًا تنفيذ المشروع من دون واجهة فلسطينية.
هنا جاء دور محمود الهباش، المستشار الديني والسياسي المقرب من محمود عباس، والمعروف بعدائه الشديد لقوى المقاومة.
بحسب مصادر مطلعة، بدأ الهباش في التنسيق المباشر بين مكتب طحنون وبعض عناصر المخابرات الفلسطينية لتأمين الغطاء السياسي والتمويلي واللوجستي للمشروع.
وقد تم الاتفاق على آليات الدعم: التمويل سيتم عبر قنوات “إغاثية” وهمية. السلاح والمعدات ستدخل من معبر رفح بموافقة إسرائيلية غير معلنة.
الإعلام سيتولى ترويج صورة “القوة المحلية الجديدة” على أنها بديل مقاوم خارج الفصائل.
ميليشيا أبو شباب: حفتر غزة المدعوم إماراتياً ما كان يُنظر إليه كعصابة هامشية في جنوب غزة، بات اليوم يُعاد هيكلته كقوة شبه عسكرية. ياسر أبو شباب، الذي عُرف سابقًا بارتباطه بجماعات متطرفة وبنشاطه في الجريمة المنظمة، بات يتزعم مجموعة منظمة تمتلك نائبًا، وضابط عمليات، وجهاز دعم لوجستي، وإعلامًا خاصًا.
معلومات استخباراتية كشفت أن جهاز مخابرات عربي – تؤكد المصادر أنه إماراتي – موّل هذه المجموعة بمبالغ مالية كبيرة، وسهّل دخول عربات دفع رباعي، وأجهزة رؤية ليلية، ونظام اتصالات عسكري متقدم.
كما تم توفير تدريبات نوعية لعناصر الجماعة في مناطق شرق رفح القريبة من تواجد الاحتلال. واللافت أن صعود هذه الجماعة لا يمكن فصله عن مصلحة دولة الاحتلال في محاولة ضرب وتقويض قوى المقاومة. تقرير للصحفي الإسرائيلي باروخ ياديد أشار إلى خطة سرية تدعمها حكومة نتنياهو لإنشاء قوى محلية في غزة تناهض المقاومة وتُحدث شرخاً داخلياً طويل الأمد.
الإمارات، بحسب التقرير، تقود تنفيذ هذه الخطة من خلال أدواتها: المال، والسلاح، والتنسيق مع السلطة. وبذلك تتحول عصابة أبو شباب إلى رأس حربة مشروع مشترك: تقويض البنية الأمنية في غزة، وتمهيد الطريق لإعادة تشكيلها بقبضة وكلاء تل أبيب وأبوظبي.
أذرع السلطة في الخدمة: الهباش وبعلوشة شركاء التنفيذ إلى جانب الهباش، يظهر اسم بهاء بعلوشة، ضابط مخابرات فلسطيني يمتلك عداءً تاريخيًا مع حركة حماس وقوى المقاومة في قطاع غزة.
بعلوشة هو منسق الدعم اللوجستي والإعلامي للجماعة، ويُشرف على تأمين الاتصالات بينها وبين بعض مؤسسات السلطة في رام الله، بما فيها مكتب “المقاطعة”، في محاولة لتوفير غطاء رسمي غير معلن.
وتشير بعض التقارير إلى أن عناصر عصابة أبو شباب بدأوا بالفعل بتلقّي رواتب شهرية من خلال قنوات السلطة، وهو ما يعزز فرضية أن المشروع يتم بالتنسيق الكامل، لا بمجرد التواطؤ أو التغاضي. صور مسربة: سيارة إماراتية وسلاح جديد الدليل على هذا المشروع لم يأتِ فقط من التسريبات والتقارير.
بل من صور ومقاطع فيديو تظهر فيها عناصر من جماعة أبو شباب وهم يرتدون أزياء عسكرية جديدة، يحملون أسلحة كلاشينكوف حديثة، ويقفون أمام مركبات بلوحات إماراتية.
في أحد المقاطع، يظهر غسان الدهيني، أحد قادة الجماعة، وهو يسخر من مسؤولي الأمن الفلسطيني الذين ينكرون وجود العصابة، بينما يشير بوضوح إلى الدعم “الخارجي”. هذه المشاهد لا تترك مجالًا للشك: ما يحدث في رفح ليس انفلاتاً عشوائيًا، بل مشروعًا مدروسًا.
والإمارات لا تراهن على السلام أو التنمية، بل على الفوضى المدروسة التي تُبقي المجتمعات تحت السيطرة. في غزة، حيث تنهار البنية التحتية تحت القصف والحصار، تسعى أبوظبي لملء الفراغ بما تراه مناسبًا: ميليشيات موالية، تقاتل المقاومة بدل الاحتلال، وتُعيد هندسة المشهد السياسي بما يخدم خطط التطبيع والتحالف الإقليمي الجديد.
التصدي لعصابات الإمارات والاحتلال في مواجهة هذا المشروع، أعلنت المقاومة الفلسطينية بوضوح أن “قطاع الطرق وعصابات المرتزقة” باتوا أهدافًا مشروعة.
وكما تُقاتل الاحتلال، فإنها باتت مضطرة لملاحقة أدواته وأذرعه، سواء أكانت بأسماء محلية أم بتمويل إقليمي. غزة، التي تقف على حافة كارثة إنسانية، تواجه اليوم خطرًا من نوع جديد: احتلال داخلي بتمويل عربي، وميليشيات مرتزقة تحمل أسماء فلسطينية لكنها ترفع أجندات صهيونية.
وما يجري في رفح ليس حادثًا عرضيًا، ولا مجرد فوضى ما بعد الحرب. إنه مشروع سياسي أمني متكامل، تُديره الإمارات بمهارة التخريب المعتادة، ويهدف لتحويل غزة إلى ساحة صراع داخلي، تُفرَغ من معناها المقاوم وتُملأ بوكلاء التطبيع والخراب.