تشكل الصحافة والإعلام بفضائه الواسع سلطة رابعة كما توصف، لكن حين يصبح الإعلام هو أداة الحرب الرئيسة رغم امتلاك الدول الكبرى وأدواتها للأسلحة المتطورة، والجبهة والحرب لا تدار من خلال تلك الأسلحة يظهر الإعلام سلاحاً في حروب الأمم ولعل أخطر ما يتشكل هو قوة تأثيرها في دول العالم الثالث كما تسميها الإمبراطورية في تصنيفاتها والوطن العربي الذي هو جزء من ذلك التصنيف.
في تتابع التاريخ كان الاعلام يشكل الرسالة، وقد مرت وسائل الإعلام والاتصال بالعديد من المراحل التاريخية المختلفة عبر مئات السنين، فقد انطلقت من عصر الاتصال غير اللفظي من رسوم ورموز تخص مختلف الحضارات الإنسانية المتعاقبة، إلى عصر اللغة والإنسان الناطق، ثم مرحلة ظهور الطباعة على يد يوهان غوتنبرغ وبداية مرحلة الإعلام والاتصال المكتوب بكل أشكاله، ثم جاءت مرحلة ظهور مختلف وسائل الإعلام والاتصال التقليدية مثل الإذاعة والسينما والتلفزيون والهاتف والفاكس …، وأخيرا مرحلة الميديا الجديدة وظهور شبكة الأنترنت والاتصال الرقمي ووسائطه المختلفة.
كيف يكون الإعلام جوهر التظليل واستحمار العقل؟
لعل الانطلاق من أحداث سقوط سورية دولة ونظام فيما يجب تعريفه نكبة العرب الثانية ظهر جلياً دور الإعلام في التظليل والكذب الممنهج بناءً على سردية مُحبكة في أروقة مخابرات الدول المعنية في سقوط الدولة وإعلاء الإسلام السياسي والوجه الرجعي المثال قد فعلت الآلة الإعلامية المتمثلة بالجزيرة الصفراء عمل يضاهي أدوات الفتك والقتل في الشعوب ، فكان منبر الجزيرة يعج دوماً بالعواجل التي سرعان ما تتبخر بعدما أدت فعلها، ومن خلال برامجها المتعددة ولعل الاتجاه المعاكس وما يطرح من استفتاءات جلية على سعيها المتأصل في تعطشها للدم والخراب وما أذكره كانت واحدة من التساؤلات لفيصل القاسم عن “هل أنت مع إبادة العلويين” صدى يتردد في عقولنا يدفعنا لتساؤل كيف يكون للإعلام كل هذا الحضور في المشهد ؟ وكم يتم ضخ من الاموال لقتل الأرواح لكن ما خفي بأن الماكنة الإعلامية تعمل من أجل إحقاق مشاريع الدول مثالاً لذلك ممر داود على طريق إسرائيل الكبرى واحتلال أراضٍ من الجنوب السوري هو بداية لذلك، وخط الغاز القطري الذي يمر عِبر سورية والذي كان لا يمكن أن يتحقق دون إسقاط الدولة والنظام والذي أسلف ذكره السيد الرئيس بشار الأسد في 2006 .
قد ظهرت الجزيرة الصفراء ولمع نجمها في غزو العراق كنا حينها أطفال وأذكر كانت عائلات تبحث عن أشخاص متخصصين لتركيب الأقمار الصناعية فقط من أجل أن يُولف على هذه القناة المشؤومة وما زلت أذكر من خلال استحضار الذاكرة كيف سقطت بغداد إعلاميا قبل أن تسقط عسكريا ومقاومة وفي الوقت الذي كانت الفالوجة تصمد كان يزف ذلك المذيع في دموعه نبأ السقوط، لم نكن ندرك حجم الكارثة التي فعلتها وتأسس لها تلك الدموع والمدى الذي ستحققه كي تكون واجهة إعلام في ظل غياب الإعلام الثوري الحقيقي، وفقر إعلام الدول الرسمي.
ربما يزعج هذا الإعلام ووكلاءه مشهد المذيع القائل في حرب 1967 “من دمشق هنا القاهرة”.
ففي إعلامها لا مكان للرأي الآخر وهو العربي فالكل ممتثل لأسياد هذه القناة في الكيان ولعل زيارة بيريز لمقر القناة الدليل على ترابط هذه القناة مع أسيادها في الكيان وترك الهواء مفتوحا أمام أفيخاي أدرعي، ونقل المؤتمرات الصحفية لرموز الكيان يجعل منها قناة عبرية ناطقة بالعربية والخطر هنا يكمن فيما تفعله هذه القناة من نقل للسردية الإسرائيلية وجعلها تعشش في كل بيت عربي ويصبح خبرا من الاحتلال خبرا مؤكدا ولا يصح إلا هو لأن ببساطة الأمور قد تناقلتها الجزيرة.
وفي عودة إلى المشهد السوري وأثر القناة تظهر الأخبار بداية الثورة المزعومة في عام 2011 بين أخبار عن قصة الأطفال في درعا وقلع الأظافر والتي عمل منها ضجة تداولها الإعلام و المغردون سواء بين معارض أو موالي الخطورة كانت تكمن بنشر والمساعدة على إيصالها للعقول فيصبح العقل الباطني عاجز عن التحليل ، و دون إدراك للحقيقة وصحة تلك الأخبار وفي هذه السردية تبين فيما بعد عبر أشخاص معنيين بتلك الحادثة بلقاء صحفي ظهر بعد إسقاط الدولة بأنها لم تكن إلا من وحي الخيال الذي نسجه الإعلام وفي تلك القصص يظهر مكبس صيدنايا وأهواله والتي تم تتبعها فظهر المكبس هو مكبس خاص بمهنة النجارة استحدثته الدولة في ذلك السجن تحت إعادة تأهيل السجناء والانخراط في المجتمع ، وفي تتابع الأحداث ظهر تفنيدا كاملا ومن المعارضين لما روج عن هذا السجن.
وقد لعبت الجزيرة دورا رئيسياً في إبادة العلويين تحت مسمى “فلول نظام” وافتعال الكذبة من خلال مقدم في الجيش العربي السوري اسمه مقداد فتيحة وقد حُبكت سردية محكمة من قبل المخابرات التركية للعب على هذا الوتر فقد ظهر فتيحة ملثما رغم شخصه المعلوم وظهر بلباس أقرب للباس منظمة داعش وهذا ما أكدته الاستخبارات البريطانية بأن من خلال الذكاء الاصطناعي كانت تحاك الإبادة لتكتمل السردية باستخدام بصمة صوت فتيحة.
لكن الإعلام مرر ذلك كما مرر العديد من الأمور تحت مسمى الفلول، ويتابع الإعلام حبكته في تعريف للنظام السابق على أسس طائفية تُقاد عليها حروب داخل الأمة الواحدة وتتوحد الرواية والافتراء على أن النظام طائفي يحارب فئة السنة ورغم أن مفاصل الدولة تؤكد عكس ذلك إلى أن خطورة الموقف تكمن في نزعة الطائفة من خلال ضحية الاستعمار المباشر في غزة تستبشر الفرح في إبادة أبناء الأمة ضحايا أدوات الإمبراطورية في الساحل السوري في تجرد واضح من قيم الانسانية الذي قاده مثقفين ومراسلين مستفيدين من الجهات التي تبعث الخراب والدمار في جسد الأمة ومثال ذلك تغريدات بعض الصحافيين والنخب علىموقع X، وهنا لتكن شهادة تأريخية في حاضر يتم تزويره والكذب قد جعل الإعلام العربي الذليل من صمود الشعب السوري وتضحيات جيشه الباسل وقيادته مادة للسخرية وتحطيم أيقونة الصمود في شخص الرئيس تحديدا ووصفه بالهارب لنسف الشخصية القيادية البطلة التي جابهت العالم على مدار 14 عام ولم تسقط خلالها وحسب الروايات التي لم تكتمل اجتمعت تلك في خيانة ما حدثت، وهذه الخيانة لابد أن تنكشف بالأسماء ويتم محاسبتها فهذه خيانة لقلب العروبة ومفتاحها وقفلها ، وعودة لتساؤلات فيصل القاسم عن الأحقية الكاملة في إبادة العلويين ، أليس العلويين والساحل السوري تعرض خلال الحرب الكونية على سورية لحالات النهب والتنكيل والقتل على أيدي منظمة داعش ؟ وفيما بعد السقوط أليس أول من قام بتسليم السلاح للمجاميع الإرهابية التي على أساس تشكل دولة هم العلويين؟ ويذكر حاضرنا الأن عن أفراد من الجيش السوري قاموا بما يسمى بعملية التسوية ولم يعودوا إلى الأن لبيوتهم؟
ولنذكر الجميع بأن العلويين الأقلية الوحيدة في سورية ليس لها ارتباطات بالخارج ولم تستقوي فيه على وطنها وأمتها، وكان جزاؤها الإبادة تحت مرأى العالم.
الإعلام الليبرالي المتوشح بثوب المقاومة مرة، وفي عباءة الإخوان مرة:
قد أسلفنا في حديثنا عن غياب الإعلام الثوري الحقيقي والهادف، وفي هذا يلتقط اليسار العربي الليبرالي المشهد فيكون لدينا العربي الجديد والذي يقاد من خلال مثقفين مراكز الدراسات في قاعدة العديد والتي يشرف عليها عراب مرحلة اللبرلة في الوطن العربي عزمي بشارة عضو الكنيست السابق وفي هذه الصورة لا يطول الشرح فهي وجه آخر للإعلام الجزيرة الصفراء.
وفي خطورة الإعلام الليبرالي هي محطات التلفزة التي تستمد شرعيتها من المقاومة وقادتها والمثقفين الملتزمين وفي هذا الجانب تظهر الجزيرة البرتقالية ” الميادين” والتي تستمد اسمها من دعم المقاومة وفي شعاراتها بين فواصل برامجها مثل شعار ” مع الإنسان في كل مكان ” أو نغمة موسيقية تكمن فيها تحية للقوى اليسارية على اختلاف تواجدها في العالم ، وفي ذلك تدس السم بالعسل من خلال إظهار تركيا الواضحة لنا بمظهر الإخوان المسلمين في وطننا العربي من خلال متابعة على سبيل المثال انتخابات بلدية في دولة العصملي في حين هذا العصملي سخر طاقته في الحرب الكونية على سورية من خلال دعم التنظيمات الإرهابية ، وكذلك لا يمكن أن نتناسى حجم التبادل الاقتصادي بين تركيا والكيان وأيضا في مجالات عدة منها العسكرية
وهنا يدفعنا السؤال هل حقا هذا الإعلام فعلاً مسخر للأمة ولمشروعها القومي الواحد أو أنه على هوى الممول؟
بكل تأكيد هي على هوى الممول فإن كان إعلام قاعدة العديد قد برر تدمير مقدرات الجيش العربي بحجة بأنها تتبع للنظام السابق فهو مفهوم بسياقه فهذا إعلام معروف بتوجه ضد هذه الأمة، لكن يبث خبر على قناة تعرف باسم قناة المقاومة ” انفجارات عنيفة تهز معسكرا للجيش السوري السابق في مدينة درعا إثر غارات جوية إسرائيلية ” كيف يبرر ويفهم إلا بسياق الخداع باسم المقاومة!
القضية متحف بعيون الإعلام:
في حرب الإبادة على غزة ظهر واضح كيف تهافت الإعلام والمحللون على كثرتهم بوصف مشاهد الإعلام العسكري على أنه قوة وصمود وقد برز ” مونتغمري ” يرسم اللوحة القادمة من غزة بريشة تخدير لهذه الأمة في وقت كانت أجساد الأطفال تحترق وترسم صورة الصمود والثبات لأهل القطاع، كثرت التحليلات بشأن المقاومة وقد خُدرت الشعوب بصورة عبوة الشواظ وهي على الميركافاه، وقد برز الكتاب بأقلام جميلة تحقق الشهرة على أجساد الأطفال…
الإعلام رسالة تحمل بطياتها الإنسانية والمقاومة وهي صوت التعبير عن العامة ومنهم وعليها أن تكون رسالة نقية تنقل الحدث من موقع الصحافي أو الكاتب وفي ذلك صورة الشهيد مازن دعنا ابن فلسطين الذي استشهد في العراق وصورة الشهيد عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية غسان كنفاني، وكذلك كاريكتير حنظلة المتمثلة في ناجي العلي، وعلى تسارع الأحداث يظهر ” أبو حمزة ” الناطق الإعلامي باسم سرايا القدس.
وأتوجه برسالة لأصحاب الأقلام الحرة والميكرفون بأن تتشكل رابطة فاعلة تؤسس لشيء حقيقي على مواقع التواصل الاجتماعي لاستقطاب أكبر شريحة من شباب العرب وإدراكهم قبل أن يكمل استحمار العقل العربي بخرافات قديمة وحكايات تاريخية مليئة بالدم والافتراء ،ولعل استحضار بني أمية وتاريخهم المليء بالغدر لهذه الأمة وتفتيتها بقتل الحسين هي الآية الكبرى ، والساحل السوري والمشاهد الآتية من هناك من مقاطع منتشرة وبشهادات أشخاص من داخل التنظيمات أكثر ما يدعونا لنقف وقفة جادة مع عقولنا وإدراك أنفسنا من خلال دعم وتأسيس مشاريع ومجلات إعلامية حقيقية.